ماذا تريد تركيا من سوريا بالضبط ؟!
عام 1939 أنهت فرنسا حكمها وبشكل مفاجئ للواء "الإسكندرون" السوري، ونظرا لأحداث كثيرة لم تستطع الحكومة السورية ملء هذا الفراغ، وهو ما كانت تدركه فرنسا جيدا، وعلي الفور سدت تركيا هذا الفراغ، واحتلت اللواء (الإقليم أو المحافظة) بحجة إدارته وبعد فترة ضمته بالكامل وأصبح ولاية تركية!
لماذا نقول ذلك؟ لنؤكد أن الأطماع العثمانية في بلادنا العربية لم تكن نتيجة لوجود الخلافة أو الخليفة، وإنما هي اطماع جينية تركية! بقي أن تعرف أن لواء "الإسكندرون" يقترب من مساحة الدلتا في مصر، ويتجاوز الـ 5 آلاف كيلومتر!
في عام 1988 وتحديدا في أكتوبر حشدت تركيا جيشها على كامل الحدود مع سوريا، بحجة ايواء سوريا لـ"عبدالله اوجلان" قائد حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.. مصر وكانت على علاقة جيدة بتركيا سارعت إلى الوساطة، وذهب الرئيس "مبارك" في زيارات خاطفة لأنقرة ودمشق، ثم تسلمت جامعة الدول العربية الأزمة وانتهت بتوقيع اتفاق لا يذكره أحد اسمه "أضنة"..
وللاسف اتفاق مجحف ومهين استقوت فيه تركيا على سوريا التي اختارت ألا تفتح جبهة عداء جديدة، وأن تبقي على عدو واحد هو إسرائيل.. وغادر "أوجلان" سوريا هو وقواته.. وأقر الاتفاق التدخل التركي في سوريا حال تهددت تركيا من داخل سوريا!
هذه النقطة المهمة والخطيرة مدخل وحجة "أردوغان" الآن للتدخل دون أن يقر أن ما جري السنوات الماضية من دعم تركي للإرهاب في سوريا أنهى كل الاتفاقيات.. لكنه يري أن الخطر تبدل من حزب العمال إلى الأكراد.. أكراد سوريا الموجودون بشكل أساسي شرق نهر الفرات ومن هنا تكرر كثيرا مصطلح "منطقة أمنة شرق الفرات"!
سوريا تعاني من أكثر من مسار.. الإرهاب وتدعم روسيا سوريا بقوة.. التواجد الأمريكي وساهم الوجود الروسي في التوازن معه بل وتحجيمه في أحيان كثيرة.. ثم التدخلات التركية وأخيرا رغبات الانفصال الكردية..
في اعتقادنا الشخصي أن سوريا سيكون مفيدا لها تحجيم هذا الطموح، ولكن سوريا غير قادرة عليه لأمرين.. الأول، انشغال الجيش السوري بما تبقي من تنظيمات إرهابية.. والثاني، الانتقادات الدولية لأي عمل مثل ذلك، وخصوصا مع الدعم الأمريكي للأكراد.. ولذلك سيكون مفيدا أن تتكفل تركيا بالأمر.. فلو كنت مكان الرئيس "بشار" لقلت إن قيام دولة كردية سيكون صعبا إلغاؤها.. أما التواجد التركي فهو مهما طال سيكون احتلالا لأراض وغير شرعي ويجب أن يغادر!
لكن هل سيسير السيناريو هكذا؟
سيكون صعبا أن يقف الجيش السوري متفرجا، لذلك سنكون أمام ثلاثة سيناريوهات.. فربما يستغل سلاح الجو السوري الحظر الأمريكي على الطيران التركي ويهاجم القوات التركية، وسبق أن فعل ذلك.. أو سيشارك الجيش السوري من خلال العرب المنضمين تحت لواء "سوريا الديمقراطية"، حتى لو كانت نسبتهم محدودة قياسا للأكراد.. وهم مقاتلون أشداء سيكبدون "أردوغان" خسائر كبيرة..
أو ستخوض سوريا حربا سياسية بالتنسيق مع الروس، وتبقي متفرغة لقتال الارهابيين.. وربما أنهت تركيا بنفسها طموحات الأكراد وحجمتها!
لماذا تفعل تركيا ذلك؟ حتى لا تقوم دولة كردية سورية، ستلتئم حتما مع طموحات أكراد تركيا الموجودين بالجنوب التركي في حلم كردستان الكبري، وعددهم في سوريا قليل وكبير في تركيا! ولذلك كان العنوان "ماذا تريد تركيا" وليس "ماذا يريد أردوغان"، لأنها أهداف تركية ثابتة.. قديمة جديدة.. ليس "أردوغان" وحده المجرم.. بل كل حكام تركيا!
بالمناسبة: كل ما سبق قلناه منذ اسابيع على شاشة إكسترا نيوز.. ولم ينتبه أحد على الأقل من غير القيادة السورية التي نعتقد أنها كانت تتوقع ذلك.. إنما نقصد من يتحدثون اليوم عن منع العدوان!!
وللحديث بقية..