رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية ألمانيا الديمقراطية.. تجربة ديكتاتورية فاشلة

فيتو

بقيت ألمانيا مقسمة من عام 1945 حتى عام 1990، ورغم مرور ثلاثة عقود على توحيدها وانهيار النظام الشيوعي في شرقي البلاد، لا تزال آثار التقسيم ملموسة وواضحة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الأمر لعقود أخرى.

جمهورية ألمانيا الديمقراطية هي الدولة الألمانية الثانية التي تأسست في أكتوبر 1949 بعد أربع سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، والدولة الألمانية الأولى هي جمهورية ألمانيا الاتحادية التي نشأت بأربعة شهور قبلها. تقسيم ألمانيا كان يتطابق مع تطلعات قوى الحلفاء المنتصرين في الحرب عام 1945 على ألمانيا النازية، وهم من جهة القوى الغربية: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومن جهة أخرى الاتحاد السوفييتي.

القوى الغربية أقامت في جمهورية ألمانيا الاتحادية نظاما ديمقراطيا برلمانيا، في الوقت الذي وسًع فيه الديكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين هيمنته على جميع أوروبا الشرقية تقريبا.

وأبرز سمات تلك البلدان الشرقية تمثلت في الاقتصاد الموجه وغياب دولة القانون وحرية الصحافة وحرية السفر. وفي ظل هذه الظروف نشأت حتى فترة التحول في 90/ 1989 دول مثل بولندا والمجر ورومانيا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية. وحسب أيديولوجيتها السائدة كانت تلك الدول تعتبر نفسها ديمقراطيات شعبية، لكنها في الحقيقة كانت دكتاتوريات.

وداخل ما يُسمى المعسكر الشرقي كانت ألمانيا الديمقراطية جغرافيا وسياسيا حالة استثنائية، لأن على مشارف حدودها الغربية كان يبدأ الجزء الحر لأوروبا، وفي وسط ألمانيا الديمقراطية كانت مدينة برلين المقسمة والتي كانت رمزا لألمانيا النازية وكانت القوى الغربية تريد نيل جزء منها، ولذلك كان غرب برلين بمثابة جزيرة للحرية وسط ألمانيا الشرقية الشيوعية.

هروب جماعي حتى بناء جدار برلين عام 1961
وفي برلين المقسمة كانت تناقضات النظامين في مواجهة مباشرة: هنا الرأسمالية وهناك الشيوعية. وكانت المدينة الكبيرة بسكانها الـ 3،3 مليون نسمة النقطة الساخنة للحرب الباردة وحتى بناء جدار برلين عام 1961 ممرا للفارين من الشرق إلى الغرب. حيث غادر أكثر من مليون شخص جمهورية ألمانيا الديمقراطية باتجاه ألمانيا الغربية، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل شظف العيش الشظف وغياب الحريات في الجمهورية الشيوعية.

لكن بعد بناء الجدار بدأ الناس بالابتعاد والغربة عن بعضهم البعض داخل ألمانيا المقسمة. وعلى المستوى الدبلوماسي بدأ التقارب بين شطري ألمانيا في بداية السبعينات بفضل سياسة إنهاء التوتر التي أطلقها مستشار ألمانيا الاتحادية آنذاك الاشتراكي الديمقراطي فيلي برانت، الذي حصل عام 1971 على جائزة نوبل للسلام تقديرا لسياسته الانفتاحية. وترسخ وجود الدولتين الألمانيتين عام 1973 بقبول عضوية كلا البلدين في الأمم المتحدة.

ميخائيل جورباتشوف وتسريع نهاية ألمانيا الديمقراطية
فترة الاستقرار النسبي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية استمرت فقط بضع سنوات، إذ أن النظام من الناحية الاقتصادية لم يكن قادرا على الاستمرار. والمؤرخ الألماني فرانك بوش يقول في حوار مع DW إن الصعوبات الاقتصادية ساهمت في فشل دكتاتورية الألمانية الشرقية، وفي هذا السياق يشير بوش، مدير مركز لايبنيتس للبحوث التاريخية، إلى الديون الغربية التي كانت متراكمة على جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

لكن العامل الحاسم في تعجيل نهاية الجمهورية الشيوعية تمثل في سخط السكان "الذي تجسدت معالمه بقوة في الرغبة بالسفر إلى خارج البلاد". وبعد تسلم الإصلاحي ميخائيل غورباتشوف عام 1985 السلطة في الاتحاد السوفياتي كان الكثير من الناس في ألمانيا الديمقراطية يأملون في التغيير داخل بلادهم، لكن زعيم الدولة إريش هونكر ظل متعنتا.

وعبر الناس عن سخطهم وعدم رضاهم عن النظام الشيوعي من خلال الاحتجاجات في الشوارع وداخل المصانع وطلبات السفر المتزايدة، ففي غضون عامين تضاعف عدد تلك الطلبات من 53 ألف إلى 105 آلاف. لكن فئة صغيرة من الناس كان من حقها مغادرة البلاد.

7 أكتوبر 1989: ألمانيا الديمقراطية تحتفل بعيد ميلادها الأخير
زعيم الدولة إريش هونكر ووزارة أمن الدولة لم يتمكنا من وقف انهيار ألمانيا الديمقراطية. كما انتفض الناس في بلدان أوروبا الشرقية وفي مقدمتها بولندا وهنجاريا، وفي الـ 7 من أكتوبر عام 1989 احتفل النظام الشيوعي بالذكرى الأربعين والأخيرة لتأسيس جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وبعدها بشهر واحد فقط في الـ 9 من نوفمبر سقط جدار برلين. وملايين الألمان من الشرق والغرب تلاقوا في نشوة الوحدة، ولم تدق أجراس إعلان وفاة ألمانيا الديمقراطية إلا بحلول الثالث من أكتوبر 1990 عندما توحدت الدولتان الألمانيتان.

ألمانيا الديمقراطية لن تدخل طي النسيان قبل عام 2070
وفي الأثناء باتت البلاد الصغيرة بسكانها الـ 17 مليون نسمة ومنذ 29 عاما جزء من جمهورية ألمانيا الاتحادية التي توسعت لتشمل 83 مليون نسمة، لكن لا يمكن التحدث عن وحدة البلاد بشكل تام، فالاقتصاد في الغرب أقوى بكثير والأجور مرتفعة أكثر ولا يوجد إلا القليل من سكان شرقي ألمانيا في المناصب القيادية في البلاد.

ويشير المؤرخ فرانك بوش إلى مواقف مختلفة وذكريات من أيام ألمانيا الديمقراطية ويقول إن "الألمان الشرقيين لهم ذوق آخر في الموسيقى والإعلام والسفر ولهم مواقف سياسية مختلفة أيضا" عن سكان غربي البلاد. ولا يتوقع هذا المؤرخ حصول مساواة تامة سريع بين الشطرين الشرقي والغربي للبلاد. فهذا سيتطلب وقتا أطول حتى تنتهي ألمانيا الديمقراطية ككيان في الأذهان.

"لا سيما الجدار وما يشبهه من المعالم والرموز التي تبقي الذكرى والتاريخ حيا". ويتوقع الخبير بوش بأن تصبح ألمانيا الديمقراطية فصلا من التاريخ وفي طي النسيان بعد 70 إلى 80 عاما مع الإشارة إلى الحقبة النازية، التي انتهت مع "رحيل آخر الشهود عليها (الذين عايشوها)". ولا يمكن التحدث عن هذا بالنسبة إلى ألمانيا الديمقراطية إلا عام 2070 على أقرب تقدير.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية