الانتصار الثانى الذي حققناه!
نلمس، بل نتنسم أجواء مختلفة ورياحا مغايرة، هذا العام، ونحن في أيام السادس من أكتوبر، أيام النصر. لماذا إحساسنا هذا العام، هذه الأيام مختلف عن أي عام مضى؟ لماذا تتوهج بالوجدان العام مشاعر تهفو إلى استدعاء المزيد من الاحتياطي الشعورى الوطنى؟ لماذا تهب على جموع المصريين أشواق جامحة لتذوق طعم الانتصار؟
يشتاق الشعب المصرى إلى نصر وإلى فوز وإلى فرحة. أروع فرحة وأروع نصر وأعظم الأخبار، كان بيان القوات المسلحة رقما واحدا ثم بيانها يعلن نجاح عبور قناة السويس المانع المائي الأصعب، وتحطيم خط بارليف وفتح الثغرات والمعابر في الساتر الترابى الهرمى الارتفاع.
ما سر هذا الشوق يتجدد فينا؟
نعم نحن انتصرنا في حرب السادس من أكتوبر على العدو الإسرائيلي، وفاتنا ولا يزال يفوتنا، حتى هذه اللحظات أننا أيامها انتصرنا أيضا على أنفسنا، وكبحناها وروضناها وعلمناها الصبر والأدب والذوق. وهذه الأيام، لا بد أن نهنئ أنفسنا بانتصار جديد يا مصريين. لقد انتصرنا مرة أخرى على أنفسنا، وعلى شاردين ضالين منا، مغرر بهم، علمناهم أن حرق الوطن ليس ثمن الغلاء، وأن هدم الدولة ليس مقابل المعارضة، وأن الخراب ليس الجنة وأن مصر ليست لتركيا ولا للأوهام الخرافية عما يسمى بالخلافة الإسلامية.
تجددت وطنية الشعب المصرى خلال الأسبوعين الماضيين، وحقق انتصارا مدنيا بالغ الأهمية والدلالة على نفسه ورفض الانصياع للمحرضين الخونة وموزعى أموال الإخوان في الأزقة والحوارى، مستغلين سخط الناس بسبب توحش الأسعار، ومستغلين الصبية والمراهقين والعاطلين والبلطجية، ممن لا وزن لديهم للوطنية!
من أسف أن لصوص مصر في حرب أكتوبر وبلطجيتها كانت لديهم وطنية عن لصوصها وبلطجيتها هذه الأيام. الشعب الواعى وكبار السن والطبقة المتوسطة هي من حفظت وتحفظ الوطن.
هذه أيام الفوز الحقيقي على النفس المصرية، وتقوية المناعة الوطنية، ورفع المعنويات وتكريم أبطال حرب أكتوبر وذكر عطائهم الوطنى بغض النظر عما ينسب إليهم من أخطاء في الحكم. ومن العقل ومن العرفان ذكر دور الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" في فتح أبواب النصر في حرب النصر، وإعادة تجهيز وتدريب النسور الذين دكوا مواقع العدو وجعلوا العبور آمنا لمدة ست ساعات قبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من تجميع نفسها وشن هجومها المضاد.
املأوا قلوب الناس بالأفلام الوطنية والتسجيلات واللقاءات الحية مع الأبطال ومع من تبقى منهم، وعلموا الأجيال الجديدة معانى البطولة، فهم في شوق لمشاعر العزة. فيلم "ناصر٥٦" للقدير "محمد فاضل" شاهده مئات الألوف، يحكى عن يوم واحد في تاريخ مصر، يوم تأميم قناة السويس. وفيلم "الممر" يحكى عن بطولة رائعة لقواتنا وقت نزيف الهزيمة في حرب يونيو، يحكى عن يوم البطولة في حرب الاستنزاف، أشرف حروب العسكرية المصرية.
لا تزال الولايات المتحدة تنتج أفلاما وطنية، عن حروبها في فيتنام وفي أفغانستان وفي العراق وفي سوريا.. وتخلد أدوار جنودها رغم أنهم معتدون وقتلة ومحتلون. نحن أحوج ما نكون إلى احياء الوطنية المصرية طول الوقت، وتكريس إنتاجنا الفنى لتقديم قصص الفخر والكرامة. الشعور بالوطنية تربية تماما كما أن الخيانة تربية وتدريب!
لا تتركوا أولادنا لمدارس تربية الخونة.. وما أكثرها.