رئيس التحرير
عصام كامل

كشف حساب طارق شوقي في «التربية والتعليم».. «العجز في المدرسين» أزمة مستمرة.. و«تجريف المدارس التجريبية» كارثة تعليمية.. رؤى حسنة واستراتيجيات فاشلة

فيتو

«إخفاقات وإنجازات.. رؤي حسنة واستراتيجيات فاشلة»، من هنا يمكن المضى قدمًا للحديث عن الخطوات التي اتخذها الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، منذ اختياره لإدارة واحدة من أهم وأخطر الوزارات في الحكومة المصرية. 

«د.طارق» الذي دخل الوزارة تحيطه هالة كبيرة وآمال عريضة في التغيير، هو ذاته الرجل الذي أصبحت تطارده الانتقادات من قبل أولياء أمور وطلاب ومعلمين وتربويين؛ بسبب خيبات الأمل المتكررة في حل المشكلات المتراكمة؛ بل وإضافة مشكلات وأزمات أخرى لم تكن موجودة من قبل، وعلى رأسها أزمة امتحانات الصف الأول الثانوي فيما يعرف بـ«الثانوية التراكمية»، ورغم إنفاق مبالغ طائلة، فإن محصلة ذلك لم تكن بالشكل المطلوب أو بالصورة التي تعطي أملا حقيقيا في التغيير للأفضل كما وعد الوزير وفريق أحلامه.

يحسب للدكتور طارق شوقي أنه وزير له رؤية خاصة به في مجال تطوير التعليم، وأنه يسعى جاهدا لوضع منظومة تعليمية جديدة والتي بدأتها الوزارة بمناهج لصفوف رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي؛ لكن آليات التنفيذ التي تعتمدها الوزارة لتحقيق نتائج إيجابية لتلك المنظومة غير مبشرة خلال العامين الماضيين والأسباب في ذلك متعددة، كما أنه من الخطايا التي يشير إليها تربويون في منظومة التعليم الجديدة هي وضع مرحلة رياض الأطفال ضمن السلم التعليمي المصري رغم أن عدد الأطفال الذين يلتحقون بتلك المرحلة أقل من 30% ما يعني أن هناك نحو 70% من الأطفال لا يلتحقون بتلك المرحلة التعليمية التي أصبحت أولى درجات السلم التعليمي. 

«العجز الصارخ في صفوف المعلمين».. من أبرز الإخفاقات في ملف وزير التربية والتعليم، لا سيما وأن سياسات الوزارة لم تفلح على مدار عامين و٨ أشهر في وضع حل نهائي لها، ووصلت نسبة العجز في المعلمين إلى الدرجة التي جعلت مدير مدرسة في أسيوط يجمع طلاب المدرسة في الفناء ليلقي عليهم الدروس بسبب النقص الشديد في أعداد المعلمين، وتشير تصريحات وزير التربية والتعليم إلى أن الوزارة تعاني عجزًا يصل إلى نحو 320 ألف معلم من أجل مواجهة تلك الأزمة، وفي سبيل حل تلك الأزمة اتخذت الوزارة مجموعة من الإجراءات التي رأت أنها ربما تكون ناجعة منها الإعلان عن تدشين بوابة إلكترونية للراغبين في العمل بالمهن التعليمية وأنه سيتم اختيار 120 ألفا للعمل بنظام العقود المؤقتة وفتح باب التطوع للعمل في المدارس.

وبحسب مصدر بوزارة التربية والتعليم فإن «ما زاد من حجم مشكلة العجز في المعلمين وخاصة معلمي المرحلة الابتدائية هو خروج عدد كبير من المعلمين على سن المعاش خلال الأعوام الثلاثة الماضية، دون أن تفطن الوزارة لذلك، فلم يتم توفير بدائل لهم، بالإضافة إلى أن منظومة التعليم التي تسعى الوزارة إلى تطبيقها في الصفوف رياض الأطفال والأول والثاني الابتدائي تشترط وجود معلمين لكل فصل وهو ما أظهر الأزمة بشكل لافت».

وأضاف المصدر أن «سياسات الوزارة في التعامل مع ملف المعلمين كانت خاطئة، فقد ركز القائمون على تلك السياسات على النظرة القصيرة للأمور، ومن ذلك اللجوء إلى تخفيض أعداد المتابعين بدءا من ديوان عام الوزارة وحتى الإدارات التعليمية بحجة سد العجز في المعلمين، فما كان من ذلك إلا أنه أحدث خللا في عملية المتابعة ولم يحقق الهدف المنشود أيضا، بالإضافة إلى أن مسألة العقود المؤقتة تحتاج إلى إعادة نظر، لأن التدريس مهنة من المهن التراكمية أي أنها تحتاج إلى استقرار من أجل كسب الخبرات وتطوير أدوات المعلم؛ لكن ما حدث خلال العام الماضي أنه تم التعاقد مع ٣٦ ألف خريج لم يعملوا سوى شهر في المدارس ثم تم إنهاء عقودهم وفي النهاية تحاول الوزارة إعادة إنتاج نفس التجربة وفتح باب التقديم للراغبين في التعاقد المؤقت أملًا في حل أزمة العجز الصارخ، رغم أن الحل الناجع في تلك الأزمة هو فتح باب التعيينات أو العمل بنظام العقود المؤقتة طويلة الأجل أي لمدة أكثر من ٣ أعوام قابلة للتجديد بجانب إعادة توزيع المعلمين بشكل عادل». 

لم تقف الأزمات التي تواجهها وزارة التربية والتعليم عند حد العجز في المعلمين؛ لكن الوزارة التي أخفقت في امتحانات الصف الأول الثانوي العام الماضي، وبعد أن أعلن وزير التعليم - في مؤتمر - أن نسبة النجاح في الصف الأول الثانوي كانت ٩١% عاد بعدها بأسابيع ليعلن أن النسبة لم تكن تتجاوز ٢٠%، وأنه رفعها حتى لا يشعر الطلاب بالإحباط، وهي التصريحات التي صدمت المجتمع التربوي، واعتبرها خبراء تربويون مؤشرا خطيرا على نزاهة عملية التقييم في المدارس، وأنه ما دام الأمر كان في مرحلة التجربة، فيجب الاحتكام على النتائج الفعلية لتقييم التجربة، بدلا من التلاعب فيها من أجل إعلان ناجح غير مستحق.

مشددين على الأزمة التي حدثت في امتحانات أولى ثانوي قد تتكرر وبصورة أسوأ هذا العام، لأن الوزارة مطالبة بتطبيق الامتحان الإلكتروني على دفعتين هما أولى وثانية ثانوي، وبالرغم من ذلك لم يتم توفير أجهزة التابلت لطلاب أولى ثانوي كما كان معلنا وقد مضى نحو شهر من الدراسة، وربما تكون التكلفة الضخمة لتوفير أجهزة التابلت والتي تتجاوز ٣ مليارات جنيه للدفعة، هي السبب وراء تأخر وصول الأجهزة، ومن الممكن أن يكون ذلك نذيرا بإنهاء التجربة والعودة إلى نظام الثانوية العامة القديمة مع تطوير أسلوب وضع الأسئلة خاصة أن امتحانات الثانوية العامة وفقا لوثائق البنك الدولي تتكلف عملية بناء الامتحانات الجديدة ١٢٠ مليون دولار، وهو رقم ضخم كان يمكن به إنتاج منتج أفضل كثيرا عم تم تقديمه.

من جهته، أشار الخبير التربوي الدكتور عصام قمر، رئيس هيئة محو الأمية وتعليم الكبار سابقًا إلى أن «وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني حاليا تعاني من أزمة إدارية حادة تتمثل في غياب سيطرة ديوان عام الوزارة على المديريات التعليمية، وهو ما خلف آلاف القضايا الإدارية التي تحتاج إلى فصل عاجل فيها، وتسبب في حالة من الترهل الإداري من آثارها تدني مستوى الصيانات في المدارس حتى أن العديد من المدارس ما زالت تستكمل صياناتها رغم استمرار الدراسة، والحساب الموحد الذي يتم جمع مصروفات الطلاب عليه واحد من الاختيارات التي تحتاج إلى مراجعة لأنه أصاب المدارس بالشلل في الأنشطة وفي الإنفاق على ما تحتاجه بصورة عاجلة».

وأضاف: الوزارة تمكنت من إنتاج مناهج الصفين الأول والثاني الابتدائيين؛ ولكنها لم تعلن للرأي العام ولا للمجتمع التربوي مصفوفة المدى والتتابع الخاصة بمناهج المنظومة الجديدة، وفي سياق متصل. تساءل مصدر بالتربية والتعليم عن الفارق بين «أطر المناهج أعلنت الوزارة أنها قد انتهت من إعدادها في عهد الدكتور طارق شوقي، والأطر الموضوعة منذ عام ٢٠١٢/٢٠١٣؟!».

وأشار المصدر إلى أن ارتفاع أزمة الكثافات في الفصول وتطبيق سياسات خاطئة العام الماضي أدى لمضاعفة أعداد الطلاب دون إدراك القاعات التي تحتاجها المدارس لاستيعاب كافة الطلاب في الأعوام التالية، وهو ما ظهر جليا في المدارس التجريبية وبخاصة في محافظة الجيزة والتي طبقت من قبل تجربة تقسيم أيام الدراسة في التجريبيات لاستيعاب طلاب أكثر ثم جاءوا في العام التالي ليكتشفوا الكارثة التي وجدوا أنفسهم بصددها وهم مطالبين بتوفير فصول لضعف الأعداد التي يستطيعون استيعابها.

وأضاف أنه «هناك العديد من التساؤلات المثارة حول فريق أحلام الوزير وكم المستشارين والاستشارات وحجم الخبرات التي يتمتعون بها وحجم الأموال التي ينفقونها شهريا»، منتقدا أن تظل الوزارة مدة ٣٢ شهرا تتحدث عن منظومة جديدة دون أن تعلن استراتيجيتها مكتوبة حتى الآن. 

ولفت إلى أنه من الخطايا الكبرى لوزارة التعليم في عهد «شوقي» هو ما وصفه بـ«تجريف المدارس التجريبية من المعلمين المميزين» لصالح المدارس اليابانية الأمر الذي أثر سلبيا على مستوى الدراسة في التجريبيات، بخلاف الأزمات التي تلاحق مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا stem وخاصة في الصيانات والتحويلات والتدريس في تلك المدارس الذي أثر على نتائج الطلاب.

مشيرا إلى أن مدارس النيل لم تعد بعيدة عن أزمات التربية والتعليم خاصة مع إنتاج نسخة مشوهة من مدارس النيل لم تحصل على الاعتماد مثل المدارس التابعة لوحدة النيل، وأكد « محمد عبدالله» أمين عام نقابة المعلمين أنه رغم ارتفاع ميزانية التربية والتعليم إلى ١٣٤ مليار جنيه إلا أن المشكلات تتفاقم ولا تنته، وأزمة بناء الفصول من المشكلات المزمنة لكن تركيز الوزارة ينصب في اتجاه المنظومة التعليمية الجديدة وإهمال ما دون ذلك مما تسبب في تفاقم المشكلات.

الجريدة الرسمية