رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء زكريا عبيد سراج الدين: نكسة يونيو مؤامرة.. وبطولات «المدفعية المصرية» في أكتوبر أذهلت العالم.. خصوصا في صد الثغرة.. وكبدنا العدو خسائر فادحة في ملحمة بورسعيد

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

«النكسة.. لحظة تعديل المسار».. أربع كلمات يمكنها تلخيص رحلة اللواء زكريا عبيد سراج الدين، فيوم 5 يونيو 1967 كان يومًا فاصلًا في حياة طالب كلية العلوم، جامعة عين شمس، وقتها، فبعدما تناهت إلى مسامعه أنباء تنحى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم، وتحمله المسئولية الكاملة عن «نكسة يونيو»، قرر ترك مدرجات كلية العلوم والانضمام إلى الكلية الحربية، أملًا في تحقيق النصر ورد الكرامة المصرية.


وعن هذه الأيام قال اللواء زكريا: عندما سمعت نبأ تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم وانضمامه للجماهير اختل توازني، لأن «جمال» كان يمثل لي ولكل أبناء جيلي القدوة والرمز، ومعني أن يترك الحكم هذا مستحيل، وبعد الهزيمة رأيت مستقبلى يترنح أمامى، لا سيما وأننا لم نكن السبب فيها، فمصر تعرضت لخدعة كبرى هدفها القضاء على الجيش والرئيس المصرى بعد خدعة إنهاكه في حرب اليمن.

ولأن مصر في عهد الرئيس عبد الناصر ارتفعت هامتها بعد القضاء على الاستعمار وأعوانه، واتجاهها نحو الاكتفاء الذاتي من التصنيع في كل المجالات، وعلى رأسها تصنيع السلاح، وكنا متفوقين تفوقا غير عادي فصنعنا الطائرة (القاهرة 300 ) وأحدث منظومة صواريخ تعمل بالوقود الصلب الذي لم يعرفه العالم إلا فيما بعد، وكان لدينا صواريخ (القاهر، والظافر)، فإنني أقول إن حرب الخامس من يونيو 1967 مؤامرة على مصر بكل المقاييس، وكنا كشباب في ذلك الوقت نعي هذا جيدا ولسنا مغيبين، بل كان لدينا أمل أن تصبح بلدنا من أهم دول العالم في التصنيع.

الانتقال من كلية العلوم إلى «الحربية» قصة ثانية روى تفاصيلها اللواء زكريا، وقال: كان قراري بترك كليتي والتقدم للالتحاق بالكلية الحربية لأصبح ضابطا استعيد الأرض، وتخرجت في 2 فبراير 1969 بسلاح المدفعية، وبعد التخرج تم توزيعنا على الجيوش والوحدات، والتحقت بالفرقة 16 في منطقة القنطرة، وشاركت في حرب الاستنزاف «قائد مجموعة استطلاع»، كانت تعمل في المنطقة ما بين شمال البحيرات المُرة وجنوب التمساح وسرابيوم، لاستطلاع مواقع العدو، والوقوف على تحصيناته في الكثير من المناطق بشرق قناة السويس.

وأهم العمليات التي لن أنساها هي ملحمة بورسعيد، والتي حدثت في 20 يوليو 1970، حيث اشتركت المدفعية في عملية الدفاع عن بورسعيد، بعد أن أراد المحتل الإسرائيلي فصل المدينة عن مصر وباقي مدن القناة وضمها للمدن التي احتلها في سيناء، لكن رجال قوات الطيران والمدفعية والبحرية المصرية نفذوا ملحمة بطولية وتصدوا لذلك الهجوم وكبدوا العدو الإسرائيلي خسائر كبيرة في المعدات والأرواح، وبعد هذه المعركة لم يحاول بعدها الاقتراب من بورسعيد مرة أخرى، كما أنها كانت من ضمن المعارك الشرسة التي أظهرت براعة رجال المدفعية فيها.

«لحظة النصر» كان اللواء زكريا حاضرًا ومشاركًا فيها، وعن تفاصيل هذه اللحظة قال: قبل الحرب بنحو 30 يومًا انتقلنا إلى أحد الأماكن المختصة بـ«الصواريخ الإستراتيجية – سكود» وهي صواريخ بعيدة المدي كانت تطول العمق الإستراتيجي لإسرائيل داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة، وكان لدينا 14 هدفا داخل إسرائيل تستهدفها الصواريخ الإٍستراتيجية (سكود)، في حال تطورت الحرب وهاجم العدو الإسرائيلي بأسلحته النوعية الأهداف الحيوية داخل مصر كما كان يهدد بضرب القاهرة، ومصر لم تستخدم ذلك السلاح حتى لا يتم الرد عليها، لكنه كان سلاحا «إستراتيجي رادع» لأي طارئ.

وأضاف: المدفعية المصرية تنفرد عن باقى مدفعيات دول العالم بقدرتها على تجميع النيران، وحشد أكبر عدد من الكتائب للضرب في وقت واحد، وذلك ما أظهرته جميع معارك المدفعية المصرية خلال حرب الاستنزاف، في تغطية عمليات الصاعقة وضرب مواقع العدو بشدة، حتى الوصول إلى أكبر حشد نيرانى في حرب أكتوبر 1973 بطول جبهة قناة السويس على خط المواجهة في الجيشين الثاني والثالث، وهو أعظم تمهيد ناري تم تنفيذه حتى الآن ويدرس في الكليات والأكاديميات العسكرية العالمية، وكان نقطة انطلاق لحرب السادس من أكتوبر المجيدة، واشتركت مع اللواء 65 صواريخ بضرب مطار العريش.

فبعد النصر الساحق الذي حققته مصر يوم 6 أكتوبر.. حدثت الثغرة يوم 14 أكتوبر، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل جسر جوي لإسرائيل يمدها بجميع الأسلحة والمقاتلين، وكان مطار العريش يستقبل هذه المعدات فضربناه بالمدفعية، ثم عدنا إلى غرب القناة وضربنا القوات الإسرائيلية في الثغرة بكل قوة حتى الساعة السابعة مساء يوم 22 أكتوبر توقيت وقف إطلاق النار بالجيشين المصري والإسرائيلي، وبدء محادثات الكيلو 101.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية