تجهيز الدولة للحرب: النسخة الثانية
المرة الأولى التي تم فيها إعداد الدولة للحرب كانت سنوات ما قبل حرب النصر والعزة في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣. التجهيز كان يشمل الحكومة والشعب. الخطط والإمكانيات والمعنويات. باحترافية بالغة التعقيد جرت عملية الإعداد، متضمنة وقتها خطة الخداع الإستراتيجي، سبقتها ثلاث سنوات من تجريب قدرات الذات وتجريب قدرات العدو الاسرائيلى، هي من أشرف سنوات الصلابة في تاريخ القوات المسلحة المصرية. إنها حرب الاستنزاف، ولم تنل بعدها حظها الوافر من الاهتمام الإعلامي والفنى والأكاديمي.
وبعد ساعات، الأحد المقبل، تستعيد الذاكرة المصرية أمجد أيام تاريخها وعنفوان تماسكها واصطفاف الشعب قلبا واحدا وعقلا واحدا ويدا واحدة خلف الجيش في معركة فاصلة تتحدد بعدها المصائر بلا عودة. ذلك يوم الفخار. يوم المجد. يوم النصر والزهو العسكري الوطنى. إبداع غير مسبوق في التخطيط والتجهيز والتنفيذ وانسجام وتنسيق بين الأسلحة كافة، وضربات زلزلت حسابات العدو وجعلته يصرخ طالبا النجدة من الولايات المتحدة وتأهبت الأسلحة النووية في الاتحاد السوفيتي وفي أمريكا على السواء، لأن القادة الاسرائيليين كانوا يصرخون: أنقذوا إسرائيل.
أيام كنا فيها ونحن شبان في الجامعة وبعدها لا يغمض لنا جفن حتى نطمئن بمتابعة البلاغات العسكرية.
الإعلام الوطنى المصرى، بشقيه المدنى والعسكري، كان في ذروة الاحترافية والصدق فكسب احترام ومساندة المواطن المصرى أولا والعالم ثانيا. لم يقع كذب قط، حتى لما حدثت الثغرة وتسللت دبابات العدو في الدفرسوار بين مفصلي الجيشين الثاني والثالث. كان المواطنون شركاء في مواجهة التطورات. وتطوعوا بالآلاف للقتال.
تلك أيام الرجولة والوطنية المصرية الحقة.
هؤلاء كانوا رجال مصر العظماء. لم يكن لدينا صابون ولا دجاج ولا سكر ولا زيت ولا تليفونات ولا مجارى صالحة. كانت بطاقة التموين هي المأوى وطوابير الجمعيات تمتد بلا نهاية متعرجة للشوارع الخلفية.
لم نفضح بلدنا ولا تآمرنا على جيشنا. جعنا لتكون لنا كرامة وصبرنا لكى ننتصر ونسترد الشرف. شرفك هو أرضك. اليوم يريد العدو التركي والعدو القطرى والعدو الايراني والعدو الإسرائيلى لو اختلفنا وتفرقنا فتذهب ريحنا. تذهب قوتنا. يذهب لا قدر الله جيشنا. ليستولى الأتراك على غاز حقل "ظهر" شرقي المتوسط، وتتمدد إسرائيل شرقا في سيناء لتوطين الحمساوية وتتخلص من صداعهم، وينهار الجدار الغربي مع ليبيا ليقيم الدواعش دولتهم حتى يغزوا الدلتا والصعيد!
هذا هو المخطط. مؤامرة ٢٥ يناير لم تنته بعد، وتصدير القلاقل لن يتوقف، وتجهيز الدولة للحرب قائم ومستمر، وليس غائبا عن الرجال في هذا البلد ما يحاك وأبعاده. حرب أعصاب؟ نعم. حرب معلومات؟ نعم. حرب خبرات ومخابرات وضربات تحت الحزام؟ نعم. حرب إجهاض؟ نعم. حرب أكاذيب وتضليل وشائعات؟ بالفعل هي كذلك.
تقدير الموقف كما يلي: نحن في حرب دونها حرب أكتوبر العظيمة. عدوك كان أمامك. عنوانه معروف. أما اليوم عدوك أشباح. منك فيك. مستعملون عليك. انتماء الأجيال الجديدة مهجن ومهندس وراثيا. ومخابراتيا!
اليوم الهدف ليس كسر القوة العسكرية بل إنهاء وجود الدولة لتعميم الفوضى والخراب والتقسيم. يقلبون الناس على الناس والدين على الدين والحى على الحى وبحري على قبلى وقبلى على بحرى. وتباع امهاتنا وبناتنا في أسواق الرقيق.
نحتفل بحرب أكتوبر ونستعد لحروب كل الشهور... ولن يغمض جفن للصقور حتى تهدأ قلوب المصريين بدفن الأعداء تباعا في قبور الهزيمة.
شعب واحد جيش واحد وطن واحد من فوقه رب واحد أحد تلك عقيدتنا الراسخة. اللهم احفظ مصر.. أرضك التي تجليت فوقها وتكلمت دون أرض العالمين.