التحصين الإعلامي ضرورة حيوية لبلدنا
تابعت في مقتبل حياتي المهنية ندوة في مجال الإعلام وتأثيره، وتناول أحد الخبراء خلالها، تجربة مثيرة عاشها أثناء جولاته الخارجية بإحدى الدول الأجنبية، حيث شاهد فيلما عن معاناة اليهود ومزاعم تعرضهم لتنكيل واضطهاد.
وقال الخبير الإعلامي إنه فوجئ –على الرغم من خبرته الواسعة بالعمل الإعلامي– بأنه وقع في فخ فيلم دعائي يروج لفكرة «المظلومية»، حيث طلب القائمون على عرضه بعد مشاهدته من الحضور التبرع لصالح «معاناة اليهود»، وسخر الرجل من نفسه قائلا: «فوجئت رغم خبرتي بحيل الدعاية الكاذبة، أنني تأثرت بالفيلم وكدت أتبرع مع المتبرعين لصالح ضحايا النازية».
وأعتقد أن تجربة الخبير الإعلامي، مع الفخ الدعائي الكاذب، هو نفس السيناريو الذي تبناه الخطاب الإعلامي المعادي لمصر خلال الأيام الماضية، ولست هنا بصدد تناول الجانب السياسي، قدر تركيزي على الحاجة الماسة إلى «تحصين إعلامي» للجمهور المصري.
لقد كان قدري أن أتابع ثلاث «فضائحيات» تحريضية على مدار ثلاثة أيام متتابعة وكانت ملاحظاتي هي: تكرار استضافة ضيوف معروفة توجهاتهم السياسية العدائية لمصر مسبقا، واستخدام مضمون متشابه، فضلا عن إعادة تكرار مشاهد بعينها على مدار الـ 24 ساعة، وتبني نشر مقاطع مكررة للمقاول الهارب.
وكانت الملاحظة الأخطر على «المضمون المفبرك» للقنوات المشار إليها، هي تعمد الضرب في الجيش المصري بأكاذيب معدة مسبقا، ولا ينبغي في تلك الحالة التعامل مع ما يبث من الخارج على أنه مجرد إعلام أو رأي سياسي، بقدر ما هو أقرب إلى كونه أداة بيد أجهزة دولية تعمل ضد مصر.
يؤسفني القول، إن الخطاب الإعلامي المصري بات الآن في أمس الحاجة إلى «إعادة صياغة شاملة»، تحت مظلة تشريعية متوازنة تضمن للصحفي والإعلامي سهولة الحصول على المعلومة من مصدرها الأصلي، ووضع آلية لمحاسبة الذين يضرون الدولة بنفاقهم، ويفتحون مجالا للسفه الذي يمارسه الإعلام المعادي.
الوضع الآن لم يعد يحتمل التأجيل، إذ إنه ليس متصورًا أن يتغير «الدعائيون» فجأة ويخرجون عبر شاشاتهم يدَّعون الدفاع عن «البسطاء ومحدودي الدخل»،-سبحان الله– فجأة تغير حملة الأبواق من مهاجمين للشعب لمدافعين عنه، نريد اليوم «إعلام اللحظة»، القائم على الحقائق، بحيث يرى المواطن نفسه في شاشته الوطنية وأقصد هنا أن يرى مشكلات الحي الذي يسكنه وحالة المدرسة التي يذهب إليها أبناؤه.
وبالنهاية نقول، إن مصر القوية بشعبها وجيشها لن يقدح فيها ثُلة من المتهمين الخارجين عن القانون، ممن يحتمون بدول طالما أبدت العداء للقاهرة وما تخفي صدور أجهزة مخابراتها أكبر، كما أن الشعور بالمرض والاعتراف به بداية عملية للعلاج وأعتقد أننا الآن أمام نوايا -أحسبها صادقة- للإصلاح وأراه ممكنا حال استماع الحكومة، لوجهات نظر الجميع (مؤيدين كانوا أم معارضين)، أما حملة المباخر والمنتمون للجماعات الإرهابية، فلا مكان لهم إذا كنا نريد إصلاحا حقيقيا.. والله من وراء القصد.