الإعلاميون "المتلونون" والمصداقية
يعلمنا الإعلام في مصر وبخاصة ذلك الذي كان لفترة طويلة يتجاهل التضييق على الآراء وعلى الممارسة السياسية أن "مصداقية الإعلام" تتأثر بالقائمين على تفسيره، فهؤلاء الذين كانوا يتناولون قضية "حرية التعبير" و"التضييق على الأحزاب" باعتبارهما قضايا غير موجودة من الأساس، وأنها محض محاولات خارجية لتقويض أو إضعاف الدولة، يطالبون الآن و"فجأة" على حد تعبير الفنان "أحمد رزق" في "فيلم ثقافي" بإفساح المجال أمام حرية التعبير وعدم القبض على كل من يقول رأيه، بل ومطالبة الرئيس بإعطاء دفعة للأحزاب السياسية.
سيشعر المشاهد حاليًا بخطاب سياسي لإعلاميين كانوا لفترة وجيزة أصحاب خطاب سياسي مخالف، وعذرهم في ذلك أن المرحلة كانت تتطلب ذلك، وهم لا يعرفون أنهم يفقدون ما لهم من مصداقية عند من كان يسمع لهم أو من كان يشاهدهم.
هناك نسبة من المصريين مقتنعة بالخطاب السياسي والإعلامي الذي كان سائدا لأيام قليلة، وتغيير الإعلاميين خطابهم ليتعارض مع ما كانوا يقولون لن يساهم إلا في أن يفقد هؤلاء الإعلاميين مصداقيتهم عند من كانوا يسمعونهم. المصريون المعارضون للخطاب السياسي السائد لا يشاهدون ولا يسمعون هؤلاء الإعلاميين ولا يشاهدون قنواتهم، فمن الذي يحاول هؤلاء الإعلاميون إقناعه؟
الواضح أن مرحلة "التنفيس الإعلامي" قد بدأت. المضحك أن "مرحلة التنفيس الإعلامي" ستبدأ بالأصوات نفسها التي كانت ترى في الدعوة لحرية التعبير نوعا من التدخل الخارجي في شئون مصر. عموما تغيير بعض الإعلاميين لخطابهم هو اعتراف بالحالة الإعلامية السياسية التي كانت وما زالت مصر تمر بها، اللهم إلا إذا مجددا ليقولوا إن خطابهم الحالي كان سببه "طبيعة المرحلة"، تلك الشماعة التي دائما ما يتعلقون بها، ولم لا وهم معروفين "بطلوعهم مع الطالع ونزولهم مع النازل".
وظيفة التفسير من الوظائف التي انتشرت بفضل "السوشيال ميديا"، ولم يعد التفسير حكرا على الإعلام التقليدي الذي صبغه خطاب إعلامي واحد. هناك من كان يقدم خطابًا إعلاميًا معارضًا وتم إيقاف برامجهم مثل الإعلامي إبراهيم عيسى لأنهم "يتحسسون". عندما تعرف الدولة أن وظيفة النقد أو "التحسس" هي جزء أصيل من وظيفة التفسير الإعلامي ستتقبل الدولة على مضض الإعلاميين الذين تم إيقاف برامجهم.
ونصيحتي للذين يديرون الإعلام في مصر أن ينصحوا الإعلاميين "المتلونين" –باعتبار أن تغيير خطابهم أو تلونهم– تم بشكل شخصي ومن بنات بنات أفكارهم وليس بدافع ممن يديرون الإعلام في مصر– أن يناقشوا قضايا تتفق واتجاههم الإعلامي لأنهم فاقدو القدرة على إقناع من لا يتفق معهم في الرأي.