حسن الاختيار نصف النجاح!
"هناك مبدأ في علم الإدارة يقول: "حسن الاختيار يضمن 50% من النجاح"، ومبدأ آخر يقول "قل لي من هم معاونوك أقول لك من أنت وكيف تفكر"، بمعنى أن الاختيار السليم يضمن على الأقل نصف النجاح، وأن المعاونين والمساعدين للقائد أو المدير أو الرئيس عليهم دور كبير في نجاحه أو فشله، لأنه مهما بلغت قدراته الشخصية فإنه لن ينجح وحده، حتى لو حدث فسوف يكون نجاحا مؤقتا ولن يكتب له الاستمرارية..
المدير القوى الناجح يثق في نفسه وإمكانياته وبالتالي يختار الأقوياء ويجمع حوله الأكفاء. والمدير الضعيف يجمع حوله الأضعف منه وبالتالي ينحدر مستوى القيادات وتنهار المؤسسات. المدير الكفء لا يخاف على منصبه، ويعمل لصالح مؤسسته وبلده، والضعيف يعمل لمصلحته فقط، ويدمر كل الكفاءات والنابغين ويستبعد المتميزين حتى يظل على كرسيه أطول وقت ممكن، الاختيار السيئ لا يؤدي فقط إلى انهيار مؤسسات وشركات ومصانع ولكن أيضا إلى ضياع دول وإمبراطوريات..
وكلنا يعلم الواقعة الشهيرة للمسئول الروسي الذي حُكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية رغم أنه لم يكن جاسوسا، ولم يضبط سوى باتصال واحد فقط مع المخابرات الأمريكية طالبوه فيه باختيار أسوأ المسئولين، لأن مهمته كانت اختيار القيادات، مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان القطب العالمي، وأول دولة صعدت إلى القمر، حتى لو كانت هذه الواقعة فيها مبالغة، ولكن دلالتها مهمة وهي أن "سوء الاختيار يتسبب في الانهيار".
بالأمس فقط قال لي أحد المسئولين إنه قرر عدم الاستمرار في منصبه لأن مستوى القيادات حاليا أقل بكثير من تلك التي كانت معه قبل أربع سنوات، فالاختيار ينحدر بصورة كبيرة، هذا الكلام هو السبب الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال، لعله يكون جرس إنذار، وحتى نتساءل من المسئول عن اختيار الفاشلين والضعفاء؟ مصلحة من اختيارهم؟ وهل المؤامرة الخارجية على مصر لها علاقة بسوء اختيار القيادات؟
الرقابة الإدارية يوميا تضبط قيادات فاشلة وفاسدة ومرتشية من الذي اختار هؤلاء من الأصل؟ ألا يستحق الإقصاء والعقاب؟ متى يتم محاكمة المسئولين عن سوء الاختيار؟
الشعور العام لدى المواطنين أن معظم القيادات الحالية وحتى أعضاء المجالس المعينة والمنتخبة ليسوا على مستوى المرحلة، فالمجاملة هي سبب اختيارهم وليست الكفاءة، وأن الرئيس السيسي يعمل وحده وخطواته أسرع رغم مطالبته المتكررة للضعفاء وأصحاب الأيدي المرتعشة أن يتنحوا ويتركوا مواقعهم للأقوياء، ولكن للأسف حدث العكس، ومن خطورة اختيار الضعفاء أيضا أن شخصيات متميزة كثيرة أصبحت تعتذر عن تولي المناصب العامة، وتفضل الابتعاد عن المشهد، وحتى عن وسائل الإعلام..
كما أن هناك ظاهرة أكثر خطورة وهي استبعاد المتفوقين والأوائل من التعيين في الجهاز الإداري والوظائف المهمة، وإذا استمرت الأمور هكذا سوف تنهار مؤسسات الدولة، لأنها تفتقد القيادات العليا وأيضا الكوادر الشابة المتميزة، وهذا يؤثر بالطبع على انتماء هؤلاء للبلد، ومن تأتيه فرصة للهجرة يذهب بلا عودة، وبالتالي يتم تجريف مصر من الموهوبين والنوابغ.
هذا الملف غاية في الأهمية وأتمنى أن يلقى اهتمام القيادة السياسية وجميع أجهزة الدولة وخاصة الرقابة الإدارية، لأنني أعلم أن لديها بنك للقيادات وكذلك وزارة التنمية الإدارية، ومصر لا تنقصها ندرة في ذلك، فالدولة التي تعدادها 100 مليون نسمة إذا لم يتوافر لديها على الأقل مليون قيادة تستطيع تحمل المسئولية في جميع المواقع فلا تستحق الحياة، وسوف تظل متخلفة ومتسولة لغذائها وعالة على الآخرين، ومصر أبدا ليست كذلك..
لأنها تذخر بالملايين من القيادات والكوادر المتميزة التي حققت نجاحات باهرة دولية ومحلية وفي القطاعين العام والخاص، ولكن للاسف بوصلة الاختيار تتعمد دائما استبعادهم.
الفرق بين نجاح القطاع الخاص وفشل القطاع العام هو حسن اختيار الموظفين والقيادات، ولا مانع ولا عيب ولا حرام من استيراد الأكفاء من الخارج في المجالات التي تنقصنا فمعظم دول العالم تفعل ذلك، إن دماء الشهداء الأبطال من رجال الجيش والشرطة الذين ماتوا حتى نحيا تطالبنا بحسن اختيار الأكفاء، حتى ينعم أبنائهم بالسعادة والرفاهية في وطن قوي ومستقر، وتحيا مصر"
هذا المقال كتبته منذ عامين في هذا المكان وتحديدا يوم 14 فبراير 2017 وأعيد نشره مرة أخرى بمناسبة الأخبار المتداولة حول تعديل وزاري مرتقب خلال ساعات أو ربما خلال أيام وأتمنى حسن الاختيار لأننا في مرحلة صعبة جدا ولا نملك رفاهية الوقت أو الاختيار السيئ والتجارب الفاشلة.
والأهم من اختيار الأشخاص هو السياسات والرؤية والأولويات وأيضا الصلاحيات لأن الحساب يكون على قدر المسئولية، واللهم احفظ مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
egypt1967@Yahoo.com