مهرجان الجونة.. الداعم الأول للسينما في منطقة الشرق الأوسط
نظرة ضيقة ينظرها البعض لمهرجان الجونة السينمائي، ويختصرونه في حفلي افتتاح وختام وفساتين النجمات والمواقف الطريفة التي تحدث على السجادة الحمراء، وغيرها من اللقطات التي تجذب الجمهور على مواقع السوشيال ميديا، وربما يكون لدى الجمهور بعض الحق في ذلك.
فالكثير من الصحف والقنوات لا تهتم سوى بتلك اللقطات وتتجاهل الأسئلة المهمة التي توضح أهمية المهرجان بالنسبة لصناعة السينما، ولكنها تهتم بجذب الجمهور بالفساتين والمواقف وغيرها، على الرغم من أهمية المهرجان في دعم صناعة السينما في مصر والعالم العربي بصفة خاصة والعالم بصفة عامة.
وتتمثل مظاهر الدعم في أشكال وطرق مختلفة، أسهلها هو استقطاب أفضل وأهم الأفلام التي تم إنتاجها خلال العام وعرضها في المهرجان لصناع السينما المصريين والعرب، وإتاحة الفرصة لهم لمشاهدة أفضل الأفلام من مختلف دول العالم للتعلم والتأمل والمشاهدة وتكوين صور ورؤى مختلفة تساعدهم في تطوير منظورهم للسينما وللصناعة بصفة عامة، وتعد هذه أسهل وسيلة يدعم بها المهرجان صناعة السينما ويساعد بها السينمائيين العرب.
الطريقة الثانية التي يهتم بها مهرجان الجونة هي جلسات النقاش التي تقام على هامش "سيني جونة"، ومناقشة العديد من القضايا والأمور المتعلقة بصناعة السينما، سواء الخاصة المتعلقة بقضايا سينمائية في منطقة جغرافية معينة، أو تلك المتعلقة بصناعة السينما بوجه عام على مستوى العالم، وهو ما يوفر للسينمائيين العرب فرصة التحاور مع نظرائهم من مختلف دول العالم وتبادل الخبرات الفنية والسينمائية بما يساعد على تطوير العمل الفني في المنطقة.
أضف لذلك الملتقى الذي تم تأسيسه لتعليم مجموعة من الطلاب كيفية صناعة الفيلم بشكل سليم، وتدريبهم ومناقشتهم في كل المشكلات التي ممكن مواجهتها وكيفية التغلب عليها من خلال التعلم في هذا الملتقى، وذلك على يد أساتذة لديهم خبرات كبيرة في هذا المجال، بالإضافة لإتاحة المجال لبعض السينمائيين الجدد في عرض أعمالهم ومناقشتها مع سينمائيين كبار.
أما أهم طرق دعم صناعة السينما فكان من خلال منصة الجونة التي حرص المهرجان على وجودها منذ دورته الأولى، والتي تعمل على تدعيم مشاريع سينمائية في مراحلها المختلفة، سواء المتعلقة بدعم الأفلام فيما قبل مرحلة الإنتاج أو المتعلقة بدعم الأفلام في مراحل ما بعد الإنتاج.
وخلال أول عامين منها فازت مجموعة من المشاريع بجوائزها التي تقدر قيمتها الكلية بنحو ربع مليون دولار مقسمة على عدة جوائز، وكانت تلك الجوائز المالية سببًا في دعم تلك المشاريع الفنية وخروجها للنور في شكل أفلام سينمائية، وخرجت تلك الأفلام بشكل جيد وحققت نجاحات كبيرة، ولم يكن خروجها للنور لمجرد الحضور فقط.
ولعل أبرز تلك الأفلام هو فيلم "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي الذي حصل على جائزة "أروما ستديوز" للمشاريع قيد التنفيذ، والتي بلغت قيمتها 5000 دولار، في الدورة الأولى من مهرجان الجونة، وساهمت تلك الجائزة في خروج العمل للنور، ليصبح واحدا من أهم الأفلام المصرية في الفترة الأخيرة، حيث حقق الفيلم طفرة كبيرة وتم عرضه في مهرجان "كان" ونال إشادات كبيرة وواصل رحلته في العديد من المهرجانات العالمية وحصد جوائز هامة، وفاز الفيلم في الدورة الثانية لمهرجان الجونة بجائزة أفضل فيلم روائي طويل، ومثّل مصر في منافسات الأوسكار العام الماضي.
ومن أهم الأفلام التي فازت في منصة الجونة العام الماضي الفيلم اللبناني "1982" للمخرج وليد مؤنس وبطولة المخرجة والفنانة اللبنانية نادين لبكي، وفاز بجائزة منصة الجونة في مرحلة ما بعد الإنتاج وفاز بمبلغ 10000 دولار مقدمة من محفظة مصر 2030 للإبداع الثاني، والذي نافس في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الجونة هذا العام، وحصد جائزة لجنة تحكيم فيبريسي التي تمنح للمرة الأولى في مهرجان الجونة.
ولم يتوقف دعم مهرجان الجونة للأفلام على تلك المشاريع المشاركة في منافسات منصة الجونة فقط، بل استمر في دعمه للأفلام العربية المشاركة في المهرجانات الأخرى والتي كان أبرزها الفيلم السوداني "حديث عن الأشجار" للمخرج صهيب قسم الباري، بعد مشاركته في ورشة "فاينال كات فينسيا"، في دورة مهرجان فينيسيا عام 2018، حيث فاز في تلك الورشة بخمس جوائز مختلفة كما منحه مهرجان الجونة جائزة قدرها 5000 دولار، حيث شارك الفيلم في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان الجونة هذا العام، ونجح في حصد جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وكان قبلها قد حصد جائزتين في دورة مهرجان برلين الماضية.
كل ذلك وأكثر يجعل من مهرجان الجونة المهرجان الأهم في منطقة الشرق الأوسط الذي يساعد ويدعم الأعمال الفنية العربية في المقام الأول ومن كل بلدان العالم بصفة عامة، ويساعد في خروجها للنور، ويوفر لصناع السينما من مختلف بلدان العالم فرصة لتبادل الخبرات والثقافات الفنية، ويساعد صناعة السينما في مصر على التطور والصعود إلى القمة لمناطحة أكبر دول العالم في الصناعة.