البيت الأبيض المصري
حان الوقت لأن يكون لدى الدولة المصرية مقر ثابت للحكم ولسكن الرئيس، يظل ثابتا مع تغير الرؤساء، وكان الرئيس مبارك قد فكر في ذلك وتم قطع خطوات ولكن شيئا ما حدث جمد الفكرة، وفيما بعد تم إدانة "مبارك" فيما سمي بقصور الرئاسة، بينما حصل على البراءة في قضايا أخطر، علما بأن مبدأ وجود مقر ثابت للحكم والإقامة موجود في معظم دول العالم..
ففي واشنطن يوجد البيت الأبيض، وفِي موسكو "الكرملين"، وفِي بريطانيا "١٠ داوننج ستريت" مقر رئيس الوزراء وقصر باكنجهام مقر الملكة، وفِي باريس "قصر الإليزيه"، وفِي مصر ظل قصر "عابدين" مقرا للحكم قبل الثورة، ويقع قصر عابدين في وسط القاهرة، وأنشأه الخديو "إسماعيل"، وينسب إلى "عابدين" بك وهو أحد الضباط الأتراك، وكان يمتلك بيتا في هذا المكان قام بشرائه الخديو "إسماعيل" بعد وفاة صاحبه، وضم إليه مئات الأفدنة وأمر بتشييد هذا القصر ليكون مقرا للحكم..
تكلف إنشاء قصر "عابدين" 565 ألفًا و570 جنيهًا، بخلاف الأثاث الذي تكلف مليونى جنيه، ويعد القصر البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة، ويضم القصر 500 غرفة، ومكتبة بها أكثر من 55 ألف كتاب، وأهم ما فيه الصالون الأبيض وغرفة مكتب الملك "فاروق"، وصالون قناة السويس، والقاعة البيزنطية، وقاعة العرش، وصالة للطعام، وحجرة البلياردو التي أهدتها الإمبراطورة "أوجينى" للخديو "إسماعيل"، وجناح الحرملك الذي يضم مجموعة من التحف والتماثيل والسجاد والساعات المحلاة بالذهب، إضافة إلى جناح الملك "فاروق"، وجناح الملكة "فريدة"، وجناح ولى العهد..
وبالقصر ثلاثة متاحف، هي متحف قصر "عابدين" الحربي، ومتحف هدايا الرئيس الأسبق "حسنى مبارك"، ومتحف الفضيات الذي يضم مقتنيات أسرة "محمد على" والذي أنشئ في عهد "مبارك" ورغم أنه أصغر القصور مساحة، لكنه أهمها من الناحية التاريخية والرسمية، حيث حُكِمت مصر منه في عهد 6 ملوك، تلاهم الرئيس "محمد نجيب"، والرئيس "جمال عبد الناصر" و"أنور السادات"..
وكانت هناك عدة قصور واستراحات للملك في المنتزه ورأس التين، وأما قصر "العروبة" أو قصر "الاتحادية" كما يطلق عليه، ويعد القصر الرسمى للرئاسة في عهد الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" ومن بعده السابق "محمد مرسي"، حيث كان مقرا لاستقبال الوفود الرسمية والزوار، وأنشأت هذا القصر شركة فرنسية، وافتتحته كفندق تحت اسم "جراند أوتيل" سنة 1910، كباكورة فنادقها الفاخرة في أفريقيا، وقام بتصميمه المعمارى البلجيكى "آرنست جاسبار"، ويضم 400 حجرة فضلا عن 55 شقة خاصة وقاعات ضخمة.
تم تأثيث حجرات المبنى آنذاك بأثاث فاخر من طرازى "لويس" الرابع عشر و"لويس" الخامس عشر، وتوجد بالقصر قاعة فاخرة للطعام تكفى 150 مقعدا، وقاعة أخرى تضم 3 طاولات بلياردو منها اثنتان كبيرتا الحجم من طراز "ثرستون"، أما قصر "الطاهرة" رغم صغر حجمه فهو من أفخم القصور في العالم. وقد اتخذه الرئيس الراحل "أنور السادات" مقرا لعمليات حرب أكتوبر 1973، وتردد أن القصر شهد جلسة تسوية مؤقتة، بين الرئيسين الراحلين "محمد نجيب" و"جمال عبدالناصر"، خلال زيارة الملك "سعود بن عبد العزيز" في مارس 1954..
وهناك قصر "القبة" وقام ببنائه الخديو "إسماعيل"، وتحول إلى أحد قصور رئاسة الجمهورية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. وهناك قصر "رأس التين" هو واحد من أجمل القصور الرئاسية، وأحــد المعـالـم التـاريـخيـة الأثـريـة فـى الإسكندرية، وتعـود أهمـيته التـاريخـية إلى أنه القصر الوحيد الذي شهد وعاصر قيام أسرة "محمد على" في مصر التي استمرت نحو مائة وخمسين عاما، وهو نفس القصر الذي شهد غروب حكم الأسرة العلوية عن مصر، عندما شهد خلع الملك السابق "فاروق" وشهد رحيله منه على ظهر اليخت الملكي "المحروسة" من ميناء رأس التين.
وأخيرا قصر "المنتزه" بالإسكندرية، وقد كانت تلك القصور تناسب مصر الملكية، وقبل الازدحام الذي يحيطها مما يصعب معه تيسير الانتقال منه واليه، وحسنا فعلت الدولة المصرية بعد ثورة يونيو ٢٠١٣ ببناء قصرين في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين كمقرين صيفي وشتوي للحكم، بحيث يكون كل منهما مقرا للحكم وإقامة الرئيس، يتناسب مع مصر الجديدة بثورتها ورجالها في تأسيس الجمهورية الثالثة على أنقاض الملكية وجمهوريتي يوليو ويناير.