رئيس التحرير
عصام كامل

الأموال الساخنة.. لعبة تحطيم «المؤشر الأخضر».. خبراء أسواق مالية يضعون روشتة الخروج من النفق المظلم ويؤكدون: المال الحرام يعصف بالبورصة.. والمضاربات تسببت في خسائر تصل إلى 66 مليار جنيه

البورصة المصرية
البورصة المصرية


تكبدت البورصة المصرية خسائر كبيرة خلال الـ 3 جلسات الأخيرة، وتراجع رأس المال السوقي 65.8 مليار جنيه، بما يعادل 1572 نقطة، وعاود الارتفاع بـ16 مليار من قيمته السوقية في يوم واحد، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول مبررات هذا التراجع المفاجئ والكبير.


وأكد خبراء أن تحركات الأجانب في البورصة ومبيعات المصريين المكثفة وراء نزيف الخسائر، وأبدى البعض مخاوفه أن يكون وراء خسائر البورصة ما يعرف بالأموال الساخنة، وهي تدفقات مالية من خارج الدولة بغرض الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي أو سياسي معين.

الأموال الساخنة
وتدخل الأموال الساخنة في صورة استثمارات في أذون الخزانة أو في الأوراق المالية أو السندات، وهي أدوات تقوم الحكومة بالاقتراض من خلالها، أو في أسهم الشركات المدرجة بالبورصة، للاستفادة من تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار أو ارتفاع الفائدة.

وحاليا يستفيد المستثمرون الأجانب من السعر المرتفع للدولار في مصر، رغم خفض الفائدة مؤخرا، حيث يمكنهم من الاستثمار في تحقيق مكاسب كبيرة من شراء أدوات الدين التي تقترض الحكومة من خلالها لسد العجز بين المصروفات والإيرادات، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة في مصر مقارنة بباقى دول العالم، وهذه الأموال حاليا تتراوح بين 10 و11 مليار دولار وبالتالي فإن تخارج بعض هذه الأموال قد يحدث هزة عنيفة خاصة في أسواق المال وتحديدا سوق الأوراق المالية مما يؤثر على أحجام وأسعار التداول بها.

ويبقى دائما السؤال ما هي خطورة الأموال الساخنة على البورصة والمؤشرات الاقتصادية؟
وتأتي الإجابة من خبراء أسواق المال بأن الأموال الساخنة" أو (المال الحرام) كما يطلق عليها البعض، هي أموال سريعة الخروج من السوق في حالة حدوث أي اضطرابات سياسية أو اقتصادية في أي دولة، مما يؤدي إلى عدم استقرار السوق حيث تتدفق الأموال الساخنة الممثلة في الاستثمارات الأجنبية التي دخلت إلى مصر عقب تحرير سعر الصرف، ثم ما لبثت أن خرجت مع أزمات الأسواق الناشئة وارتفاع نسبة الفائدة ببعض الدول كتركيا والأرجنتين ما دفع المستثمرين للخروج سريعا، وتؤثر بقوة على عدة جهات اقتصادية أهمها البورصة.

والأموال الساخنة قد يكون لها تواجد في الآونة الأخيرة في البورصة المصرية فهي تتطلع إلى الأسواق الأكثر تذبذبا، وتحاول أن تحقق مكاسب سريعة من خلال الدخول والخروج سريعا وهذا ما تفسره الأدوار المتبادلة بين صناديق الاستثمار على اختلاف جنسيتها، ولكن الموضوع لم يكن ممنهجا في بادئ الأمر، حيث إن الأحداث الجيوسياسية في المنطقة والمتعلقة بأزمة ضرب مصفاتين للنفط في السعودية تابعتين لشركة أرامكو كانت أول شرارة هبوط للسوق لمدة أسبوع كامل، وهذا ما عمق من خسائر البورصة حيث حقق السوق يوم الأحد الماضي أكبر هبوط يومي منذ 2012.

في البداية قالت حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال: إن الأموال الساخنة لا تدخل في الأسواق التي يكون التوتر فيها سياسيا خوفا من أن تحبس ولا تستطيع الخروج السريع مرجعة المبيعات في البورصة المصرية الفترة السابقة لتطبيق مبدأ الحيطة والحذر من قبل المؤسسات المحلية والعربية.

المارجن كول
وأضافت: "يجب أن نضع في الاعتبار شيئا مهما، وهو "المارجن كول" أي إجبار المتعاملين على البيع خوفا من زيادة النسبة بسبب التدني المتوالي في أسعار الأسهم مما تسبب في زيادة الضغوط البيعية، كما أن عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بتحقيق المؤشر لقاع يرتد منه قد يكون غير مجد في عمليات المتاجرة السريعة، ولكن لا نغفل أن تلك الأموال من الممكن أن تخلق طلب وسوق للأسهم، ولكن سرعتها في تسوية مراكزها لا يدعم استقرار السوق وبقاء المؤشرات في المنطقة الخضراء".

وشددت على ضرورة تلافي هذه العيوب، لمنع الانهيارات المستقبلية بسبب الحساسية الشديدة للبورصة، مؤكدة أنه لا بد من دخول صندوق سيادي يسعى للاستثمار في السوق وتفعيل الآليات المقترحة لضخ السيولة حتى يكون التحكم في السوق ليس سهل كآلية صانع السوق والشورت سيلنج والبيع على المكشوف.

وعن موقف إدارة البورصة في التعامل مع الأزمة قالت: "إدارة البورصة وهيئة الرقابة تعاملوا بالطريقة القانونية بإيقاف الأسهم للفترة المسموح بها في حالة الانخفاض للحد الأدنى إلى جانب طلب إفصاحات الشركات التي هبطت أسهمها عن وجود أحداث جوهرية، حيث طلبت يوم الأحد أكثر من 111 شركة لتوضيح هل هناك أسباب جوهرية على الانخفاض، ولكن هذا كان غير كاف من قبل المتعاملين وخاصة الخاسرين منهم كانوا يريدون تواجد رئيس البورصة في قاعة التداول لبث الاطمئنان عند المتعاملين، وتصريح لرئيس هيئة الرقابة لتوضيح ملابسات الأمر ولكن بعودة الارتفاعات مرة أخرى سينسى الجميع المأساة التي رأها المتعاملون، ولكن لوضع حل أكثر عمقا لابد من الاهتمام بالبورصة من قبل الإدارة السياسية وإنشاء صناديق سيادية".

قطاع السياحة
أما خبير الأسواق المالية حسام الغايش فقال: إن شركات قطاع السياحة والتي من الممكن أن تكون قد تأثرت بإغلاق شركة توماس كوك العالمية، نفت أن يكون هناك تأثير ما عليها وعلى الرغم من أن بعض الأحداث القريبة تصب في صالح البورصة المصرية وخاصة اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بشأن أسعار الفائدة إلا أننا نجد البورصة المصرية تحقق أعلى تراجع لها منذ ثمانية أعوام وفى وقت قصير للغاية دون وجود مبرر واضح لهذا التراجع الكبير في كافة المؤشرات وقطاعات سوق المال المصري، خاصة وأن المؤسسات تستحوذ على أكثر من 70% من حجم السوق وكانت كافة صافى تعاملتها خلال الثلاث جلسات الماضية بالبيع مما يؤكد أنه هناك أمر ما دفع المؤسسات للتخارج من السوق ولكن كافة الأحداث المعلنة لا ترتقى لهذا التخارج العنيف من البورصة المصرية ولذا اقترح على المسئولين عقد اجتماع مع مدير استثمار هذه الصناديق للوقوف على حقيقة الأمر.

فيما قال محمد سعيد، خبير أسواق المال: "بالرغم من وجود نسبة لايستهان بها من الأموال الساخنة ضمن الاستثمارات التي تدفقت على مصر خلال الفترة التي تلت تحرير سعر الصرف إلا أن الشهور التالية ومع استقرار سوق الصرف وتحول السياسة النقدية المصرية للتيسير في 2018 بخفضين متتاليين للفائدة على الجنيه المصري وكذلك الخطة الرشيدة للسياسة المالية المصرية في السيطرة على مستويات الدين والتحول نحو إطالة أمد الدين الحكومي فإن نسبة الأموال الساخنة من الاستثمارات الأجنبية في مصر بدأت في التراجع بشكل كبير ووصلت استثمارات الأجانب طبقًا لتقديرات نهاية مارس من العام الجاري إلى 23 مليار دولار في حين تشير تقارير البنك المركزي إلى تراجع هذه الاستثمارات إلى 17 مليار دولار بنهاية يونيو 2018"

وأوضح أنه بالنظر لما تشهده أسواق المال المصرية في الشهور الأخيرة من تراجع فإنه يمكن الإشارة بأصابع الاتهام لتخارج مستثمري الأموال الساخنة كواحد من العوامل المسئولة عن جزء من هذا التراجع غير أن السبب الأساسي لتراجع البورصة المصرية هو التصحيح متوسط الأجل بشكل طبيعي ضمن الاتجاه الرئيسي الصاعد للبورصة المصرية بالإضافة لغياب المحفزات لفترة طويلة وخفوت الآمال المنعقدة على برنامج الطروحات الحكومية.

وفي نفس السياق قال ريمون نبيل، خبير أسواق المال: إن ذلك هو أقوى هبوط حدث للأسعار منذ أغسطس 2016 حيث أغلق المؤشر عند مستوى 13170، حيث افتتحت جلسة الأحد بعد بعض التداعيات لأحداث الجمعة السابقة ليفقد توازن اتخاذ القرارات الاستثمارية ويؤدى إلى هروب رءوس الأموال عقب كثرة الشائعات المتداولة مما أدى إلى افتتاح الجلسة على هبوط قوي للمؤشر الرئيسى حيث افتقد ما يقرب من 800 نقطة ليكسر حاجز وقف الخسائر عند 14500 مستهدف مستوى 13800، موضحا أن ما حدث كسر مستوى إيقاف خسائر خلال جلسة الجلسة الأخيرة بالقرب من 13500 رغم انهيار أغلب أسعار الأسهم.

وتمنى أن يتم الارتداد من المستويات الحالية؛ لأنه كلما اقتربنا من 13000 كدعم فرعي ومستوى 12700 مستوى دعم رئيسي خلال ما تبقى من جلسات لشهر سبتمبر سيصبح مستوى 13500 هو مستوى المقاومة الأول للمؤشر.

الشائعات
وعن الشائعات التي تثار مؤخرا عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كشف "نبيل" أن الشائعات عن حدوث مشكلات سياسية تؤدى إلى هروب رؤوس الأموال سواء مصرية أو أجنبية، ولكنه أكد أنه في الوقت نفسه يكون هناك أموال ذكية تقوم باقتناص فرص تدنى أسعار أسهم بعض الشركات القوية ماليا للبدء في الشراء وبمجرد عودة الهدوء مرة أخرى وعودة الصعود تبدأ بصنع طفرات سعرية على نتائج أعمال تلك الشركات وعلى قوتها المالية والاستثمارية.

وبرلمانيًا.. أبدى الدكتور محمد على عبد الحميد، وكيل لجنة الشئون الاقتصادية في مجلس النواب، انزعاجه من وتيرة البيع الكبيرة والخسائر التي تشهدها البورصة المصرية بين الحين الأخر، مؤكدا على أن عمليات البيع في الأسبوع الماضي تمت بفعل فاعل، مشددا على على ضرورة اتخاذ تدابير احترازية لوقف نزيف الخسائر، موعلنا أن اللجنة ستضع هذا الملف ضمن أولوياتها في دور الانعقاد الخامس.

وأردف "على" قائلًا: "هناك محاولات للنيل من مصر واستقرارها فكما يتم ترويج إشاعات سياسية للتأثير على وضع مصر، نفس السيناريوهات تتم في الملف الاقتصادي، حيث يتم ترويج إشاعات، عن طريق بث التخوف من الأوضاع الاقتصادية في مصر مما يدفع عددا كبيرا من المستثمرين للبيع، والقاعدة السائدة حاليا في البورصة هي "البيع على شائعة". مضيفًا: "رأس المال جبان، يتأثر بأي شائعة، لذلك فإن هبوط البورصة بهذا الشكل يؤثر سلبيا على الاقتصاد، ولكن في المقابل الاقتصاد المصري قوي وقادر على المواجهة، ويجب أن تكون هناك حلول من الحكومة وطمأنة المتعاملين مع البورصة ومواجهة تلك الشائعات، حتى تستعيد البورصة المصرية عافيتها".

وكشف عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أن الهبوط في البورصة سيكون أحد أهم الملفات على طاولة اجتماعات لجنة الشئون الاقتصادية مع بداية دور الانعقاد الخامس، وستكون هناك أدوات رقابية موجهة للمسئولين في هذا الشأن، لبيان أسباب التراجع، وكذلك سبل المواجهة، وطرق الحل ولمنع تكرار الأزمة مرة أخرى".

"نقلا عن العدد الورقي...."
الجريدة الرسمية