اضطهاد عرقي
أربعون عاما الآن مضت على العبور إلى سيناء فى أكتوبر عام 1973.. لكن هل تحقق هذا العبور حقا؟ فى كل الدنيا تنتهى الحرب ويبدأ السلام حاملا حربا أخرى لإصلاح ما جرى، وكى لا تكون هناك فرصة مرة أخرى لتقع البلاد المحررة فى يد العدو.
صارت سيناء مضمونة وفق اتفاقية السلام أن تظل أرضا مصرية، رغم كل عيوب اتفاقية السلام.. لكن هذا الضمان يعود كله إلى حالة العالم وقت توقيع الاتفاقية.. وإذا كانت الولايات المتحدة هى ضامنة الاتفاقية فمن يضمن استمرار الولايات المتحدة فى ضمانتها !
وفى عالم السياسة هناك دائما ألف مبرر ومبرر لتبرير الطمع أو الخطأ.. كانت وما زالت الضمانة الوحيدة هى أن تكون سيناء أرضا مأهولة بالعمل، وليس فقط بما فيها من سكان.. وأول خطوات ذلك أن تكون سيناء منجما للثروة.. أن تقام فيها المشروعات الصناعية والزراعية كما تقام فيها المشروعات السياحية التى لا تشغل غير شواطئها.. وشرط هذه المشروعات كلها أن تفتح أبوابها لأهل سيناء.
فتتغير عاداتهم وتقاليدهم من ناحية ويشعرون بمعنى وجودهم كمصريين.. لكن المشروعات التى أقيمت كلها سياحية أبعدت أهل سيناء عنها فظلوا على بداوتهم مع فارق رهيب.. أن العالم الآن غيره قديما.. هم يرون حولهم الدنيا تتطور.. لكن كتب عليهم أن يكونوا فقراء محرومين من كل مظاهر التقدم.
عاشوا على هذه الأرض آلاف السنين وبذلوا الغالى والرخيص فى حمايتها ثم صاروا منفيين فى أرضهم وبلادهم.. واستحكمت قبضة الأمن على سيناء فاعتبرت كل سكانها من البدو عدوا لا يقل عن إسرائيل.. بل على العكس صار العدو الإسرائيلى محل رعاية فهناك معاهدة سلام معه.
ومع أهل سيناء لسنا فى حاجة إلى معاهدة.. فى حاجة إلى الحقيقة وهى أنهم مصريون أولى من غيرهم بتطوير بلادهم.. لكن بلادهم لم تتطور وظلت صحراء تغرى بكل نشاط خارج على القانون.. تعمير سيناء كان ولا يزال هو حائط الصد الأول والأعظم ضد أى احتلال مرة أخرى.
لكن تعمير سيناء ظل شعارا لا يتحقق.. الذى تحقق هو إهانة أهلها ومعاملتهم كخطر أمني.. أجل خطر أمني.. باعتبارهم العدو الأول لسيناء وهم أهلها الذين عاشوا حياتهم كلها يحرسونها.. ممنوع أن يعمل أهلها فى المشروعات السياحية.. وعبورهم بين قراها ومدنها يخضع لمساءلات وتفتيش كأنه عبور من وطن إلى وطن.. وقرى وبلاد بلا زرع ولا ماء.. ولا تعليم ولا مدارس.. وكل ما تشاء من إهمال هو فى الحقيقة عقاب على لا جرم ولا جريمة.. هو اضطهاد عرقى ولا أقل.
ورغم ذلك ظل أهل سيناء على وفائهم للوطن وظلت الدولة التى بدت لنفسها قوية تعيش كذبة أن الأمن هو الأساس فى التعامل مع أهل سيناء وليس فى حقهم فى الحياة كبشر.. لذلك لم يكن غريبا أن تكون الأنشطة التجارية المحرمة سبيلا لكثير من الناس وخاصة فى دولة تعجز عن حماية حدودها فتترك فيها حماس تقيم أنفاقا لكل أنواع التهريب بدلا من أن يكون لديها الشجاعة أن تفتح الأبواب الحدودية فى كل وقت لأهل غزة بشكل واضح رغم أنف إسرائيل..
ولذلك أيضا لم يكن غريبا أن تستوطنها الجماعات الإرهابية مصرية وغير مصرية.. وسيظل الأمر كذلك حتى تفهم الدولة المصرية أن سيناء أرض مصرية وليست منطقة عبور للحدود.. لا يمكن تحقيق الأمن فى سيناء وأهلها لا يتحقق لهم العيش بحرية والتمتع بالعمل فى خيرات بلادهم بزراعتها وصناعتها واستثمارها.
قد ينجح النظام أو أى نظام يأتى فى التعامل الودى مع الإرهاب لكن هذا لا يعنى أن سيناء صارت آمنة.. أمن سيناء يعنى أن تكون سيناء وطنا حقيقيا للمواطن له كل الحقوق فى خيرات أرضه.. وتعميرها بالمشروعات الزراعية والصناعية هو المدخل الحقيقى مع التعليم والصحة قبل كل المشروعات السياحية التى هى أشبه بإسورة جميلة فى يد اقتربت من القطع من فرط ما أصابها من غرغرينا.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com