مصر بين "دولة السيسي" و"دولة الجماعة" (49)
تقوم السياسة الخارجية للدول على ثوابت كما الحال بالنسبة لسياسة مصر الخارجية، ولا يمكن أن تطرأ تحولات كُبرى على الخطوط التاريخية لها، إلا مع الزمن، ولقد استقرت السياسة الخارجية لمصر، منذ معاهدة السلام لمصر مع إسرائيل، وقد زادت نضوجاً في حقبة حكم "مبارك".
ولا يصنع رئيس الدولة، السياسة الخارجية لمصر، ولكن تصنعها أُسس تقوم عليها الدولة ذاتها؛ ولذا فإن الحديث عن أن "مبارك" ذاته صنع سياسة مصر الخارجية، هو من قبيل التخلف الفكري الحاد.
إن مصر دولة مؤسسات منذ فترة طويلة ولكنها زادت في عصر مبارك، وهي شهادة أقولها للحق!! ومصر لديها علاقات مع كل دول العالم إلا في حال أنها ستتعرض لضرر ما من تلك العلاقات وفقاً لثوابتها.
وحتى هذه اللحظة أؤكد على ما كنت أقوله قبل 25 يناير 2011، من أن السياسة الخارجية في عصر مبارك كانت متوازنة وقوية، صنعت لمصر دوراً قوياً في الخارج، مع أخذ ضغوط الدول الكُبرى على مصر في الحُسبان!!
فلا يُمكن لشخص أن يتصور أن مصر بتلك الحُرية لكي تصنع سياساتها الخارجية، بمعزل عن ضغوط دولية قوية، تُعرقل نمو بعض تلك العلاقات أو الدور الذي تريد أن يكون لها، فهناك دول كُبرى تُسيطر على مسرح السياسة الدولية، وطالما أنها تُسيطر من أعلى فإن بإمكانها أن تصنع سياسات تجعل دولا، يُفترض تقاربها، تصطدم.
وعلى النخبة أن ترى السياسة الخارجية في مُجملها، وليس فقط رؤاها الذاتية الساذجة!!
وإذا نظرنا في حيز العلاقات في الشرق الأوسط، فلا يُمكن لأحد يُحلل سياسة مصر الخارجية، أن ينسى للحظة، أن جارتنا في المنطقة هي إسرائيل "الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية"، وأن الصراع العربي الإسرائيلي، وبغض النظر عن السلام المصري الإسرائيلي، يُحدد الكثير من السياسات في المنطقة.
بل إن هذا الصراع قد حدد أغلب ما حدث من إضعاف للدول العربية من خلال تلك "النكسة الإخوانية السوداء" التي يدعوها الإعلام خطأً بثورة 25 يناير، وهي من أكبر المصائب التي مرت على أُمتنا وتتخطى نكسة 67 في عُمق تأثيرها على واقع ما نحياه من تراجع في صالح إسرائيل ومشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي رفضه مبارك وقبله "الثوار" بما فعلوه!!
لقد وقف الكثير من الثوار الحاليين سواء من ليبراليين أو ناصريين، إلى جانب الإخوان في غزة، وقت الحرب عليها في آخر 2008 – أول 2009، وكنت شاهداً على تلك المأساة. وقد كانت تلك الحرب تستهدف فتح مصر لمعابرها مع غزة، بضغط إسرائيلي يُصاحبه ضغط دول المُمانعة لإضعاف مصر!!
كان هؤلاء الثوار في عون حماس، ظناً منهم أنهم يناصرون الفلسطينيين، بينما أبقى مبارك على أنفاق غزة وقتها كنوع من التوازن، ولكنه رفض التأثير على القرار المصري، في فتح المعابر!!
كان مبارك يُمثل في تلك الأزمة، السياسة الخارجية المصرية الثابتة، في رفض "لي" ذراع مصر، بينما وقف وقتها أغلب الثوار الحاليين، إلى جانب حماس الإخوان، وكانوا يستهدفون عن جهل صارخ، الدولة المصرية لصالح إخوان غزة وليس سُكانها!!
فلم يكن استخدام الإخوان للمدنيين شيئا جديدا أثناء نكسة يناير ولكنه أمر مُعتاد، نتيجة لسذاجة المدنيين، وحكمهم على السياسة من خلال العواطف، تماماً مثلما عصروا الليمون وسلموا مصر للإخوان!!
إن السياسة الخارجية المصرية في عصر مبارك كانت سياسة خارجية تُراعي المصالح المصرية، ولا عزاء للأغبياء الذين رأوا أن مصر وأمنها: "وجهة نظر"!!
فلم يكن استخدام الإخوان للمدنيين شيئا جديدا أثناء نكسة يناير ولكنه أمر مُعتاد، نتيجة لسذاجة المدنيين، وحكمهم على السياسة من خلال العواطف، تماماً مثلما عصروا الليمون وسلموا مصر للإخوان!!
إن السياسة الخارجية المصرية في عصر مبارك كانت سياسة خارجية تُراعي المصالح المصرية، ولا عزاء للأغبياء الذين رأوا أن مصر وأمنها: "وجهة نظر"!!
وبغض النظر عن غبائهم .. لن تسقط مصر!!
وللحديث بقية..
والله أكبر والعزة لبلادي، وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.