أعـوان السـوء
يلوح لنا في الأفق مشهد لا تُخطئه عين الخبير، ورائحة لا تُخطئها أنف المُجرِب؛ فحين تبدو علامات الفشل في مؤسسة حكومية ويبدأ تذمر أبنائها يذهب الجميع ليلقي باللوم على رئيسها، ولكن الخبير المحترف يختلف في ذلك، فبعد أن يتأكد من وضوح الرؤية ودقة الأهداف وقابلية الوسائل للتحقيق فإنه يفتش عن "الأعوان"، نعم أعوان رئيس الجهة الحكومية أو الهيئة أو المؤسسة.
وحين يأتي أي رئيس لأي مؤسسة فإنه يكون أمام خيارين أساسيين، أولهما: الإبقاء على أعوان الرئيس السابق، وثانيهما: استبدال كل أو بعض هؤلاء بآخرين يمكنهم أن يساعدوه في نجاح المؤسسة، وفي تلك الحالة يقف حائرًا للمفاضلة بين المرشحين، فهناك المرشح الوحيد لعدم وجود بديل، كما يمكن لوظيفة أخرى وجود أكثر من مرشح وهنا تبدأ الموازنة بين معيار الثقة ومعيار الكفاءة، وهنا تكمن المشكلة.
وتشهد تجارب عديدة بأن نُبل الأهداف وحده لا يكفي ولا حسن السمعة، وأن الكفاءة والاحترافية تمثلان زمام الأمور مع ضرورة توافر العديد من الصفات في أعوان كل قيادة، وتزيد تلك الصفات كلما ارتفع شأن القيادة، ولكن كيف يعرف رئيس الجهة أولئك المرشحين؟
يلجأ غالبًا الرئيس إلى مقربيه وخلصائه ليطرحوا له الأسماء، ولأن الأمر يرتبط بالثقة فأحيانًا يكون العرض شفهيًا، بخلاف ما يحدث في تعيين أصغر موظف في ذات المؤسسة، والذي يلتزم بتقديم سيرة ذاتية مؤيدة بالمستندات، وهنا مكمن الخطر.. لأن المصالح والأهواء الشخصية تُسيطر غالبًا على المشهد، ويُقدم المقربون أسماء المرشحين ويخفون ما يريدون من معلومات قد تقدح في المرشح أو تجعله أقل عند المفاضلة، ومن هنا تبدأ صناعة الأزمة.
وليس غريبًا إذا كانت الاختيارات غير صائبة أن تكون النتائج مخيبة للأمال، وهنا يتساءل الرئيس عن سبب الإخفاقات فتبتكر الفئة المسيطرة من حوله أسبابًا واهية، وتضع كل الإحتمالات إلا أن يكون العيب في "الأعوان" فهم لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.
ويحضرني مثال لأحد الأعوان الفاشلين حين رشحوه بوصفه خبير عالمى وأنه عمل مع الأمم المتحدة، وأخفوا أنه فاشل مطرود من الأمم المتحدة لشبهة فساد، ومن هنا يبدأ ظهور الكارثة.
والأعوان الفاشلون دائمًا لهم سمات متقاربة ولكن أنى للرئيس أن يدركها، فهم أمامه جنود بواسل يعرفون كيف يكون الرد، حاضر يافندم، تمام يا فندم، أما سماتهم الحقيقية فلا يراها إلا أبناء المؤسسة المحتكون بالأعوان، ومن تلك السمات التعالي وإدعاء المعرفة، والمسارعة لإحداث تغييرات لا هدف لها ولا جدوى منها سوى تغيير خريطة المكان المسند إليهم إدارته ولو تكبدت المؤسسة أو الهيئة الملايين.
وأسوأ تلك السمات أنهم يستعينون بمن على شاكلتهم وهذه هي الطامة الكبرى، فلا خُلق ولا كفاءة ولا حتى هم من أهل الثقة، ويتعجب الرئيس الذي يصل الليل بالنهار في عمل دؤوب حتى يتصدع البناء ويحل الخراب ويكتشف أخيرًا بعد فوات الأوان أن السبب هم "الأعوان"، الذين يقفزون من السفينة في اللحظة الحاسمة ومعهم عدتهم وعتادهم، فقد كانوا يعلمون علم اليقين أنها آتية ليصبح رئيسهم وحيدًا مخذولًا بلا "اعوان".. وللحديث بقية