رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تصنع الفشار؟


الأمثال الشعبية هي خلاصة تجارب السابقين، وقد يغنيك المثل الواحد بكلماته القليلة عن العديد من الشروح والتفاسير، وفي المثل القديم قالوا (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح)، وحديثًا قالوا (اللي يتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي)، وبعد سلسلتنا عن "أزمة الإعلام" فإننا نرى أنه أصبح لزاما علينا الكتابة في ملف آخر وهو ملف (الفشار) وكيفية صناعته، وانعكاس تحضيره في المنزل على ميزانية الأسرة.


وأهمية (الفشار) يدركها كل من قرر الفرجة على فيلم أو مسرحية أو مباراة كرة قدم، لذلك يلجأ الكثير من المتفرجين لصناعته في المنزل توفيرًا للمال، خاصة أن الأفلام والمسرحيات والمباريات كثيرة هذه الأيام وتستوجب الفرجة.

والفشار (بضم الفاء) هو حبات الذرة المقلية، وطريقة تحضيره سهلة وسريعة، ربع كيلو ذرة صفراء، توضع على النار مع قليل من الزيت، ونبدأ في تقليبها، ثم نضع الغطاء على الوعاء حتى لا تتعرض وجوهنا للسعات حبات الذرة أثناء انسلاخ القشرة من اللبابة. 
(تذكر أنك هارب من لسعات الشوربة فلا داعي للسعات الفشار)، وتستطيع أن تضيف النكهة التي تفضلها بعد دقائق من عملية القلي، أو تضيف بعض من الملح الخفيف، وبذلك تكون قد انتهيت وفي دقائق من إعداد الفشار لك ولأسرتك، ولكل من قرر التسلية أثناء الفرجة.

ويتشابه الفشار (بضم الفاء) والذي تناولنا طريقة تحضيره مع الفشار (بفتح الفاء) في عدد الحروف ورسمها، لكن المعنى مختلف، فالفشار (بفتح الفاء) هي صيغة مبالغة، وتعني الشخص كثير الكذب، ورغم اختلافها في المعنى إلا أن ثمة تشابه نلمحه بين الاثنين، فالفشار (بضم الفاء) يحمل (فشرًا) أي كذبًا، حيث يوهمك أنه سوف يغنيك عن الطعام، إلا أنك تشعر بالجوع بمجرد الانتهاء من تناوله حتى لو بكميات كبيرة، تمامًا مثل الشخص (الفشار) الذي يحاول أن يوهمك أنه صادق رغم كذبه..

كما أن الفشار المعد للأكل يحدث ضجيجًا أثناء تحضيره وسرعان ما يهدأ الضجيج وينتهي إلى لا شيء، كذلك الفشار (الكاذب) يحدث بكذبه ضجيجًا ينتهي إلى عدم.

انتشر الفشار (بضم الفاء) وراجت صناعته ليحترفها الكبار والصغار بسبب زيادة مساحات الفرجة التي خرجت عن حيز الأفلام والمسرحيات ومباريات الكرة لتمتد إلى السياسة، فها هي أحزابنا تحقق في هذا الوقت العصيب أعلى معدلات الفرجة، وهو ما يعني استهلاكها لكميات أكبر من الفشار، خاصة مع الزيادة الأخيرة في أعدادها حيث تخطت المائة حزب.

وها هو البرلمان بنوابه آثروا مثلي السلامة واكتفوا بالفرجة، فلا جلسة طارئة تناقش تداعيات ملموسة.. ولا تحركات للنواب في دوائرهم لتوعية المواطنين من تبعات ما يحدث، أو ما قد يحدث، أما السادة المحافظون فانضموا إلى قائمة الأكثر استهلاكًا للفشار، فقد جلسوا في مكاتبهم يفركون أياديهم انتظارًا للرحيل أو البقاء، ونسوا دورهم في الالتحام بالجماهير وتوعيتهم.

ويأتي الإعلام ليكون المحرض الأول على استهلاك كميات كبيرة من الفشار، بسبب اعتياده على (الفشر) وضجيجه الذي يشبه ضجيج الفشار أثناء تحضيره وينتهي دائمًا بلا شيء.

يتبقى الجيش، الذي لا يعرف للفشار (بضم الفاء وفتحها) سبيلًا، فهو عمود الخيمة الذي يتحمل أعباء كل المتفرجين، وهو الحائط الذي يصد هجمات المغرضين، حمى الله مصر من الفشارين، وحمى جيشها من المتآمرين.
besherhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية