كلام لله والوطن والرئيس
الشعوب الناضجة العتيقة القديمة مثل الشعب المصري يمكن أن تشاهد الفيديوهات، ويمكنها التفاعل معها، وتنفعل وتتأثر بها فقط لتكسر بها الملل ورتابة الوقت، لكن لا تحركه فيديوهات تفاجئه بغتة ثم تطالبه بالثورة بغتة خاصة بعدما أصبح من المعلوم بالضرورة أن ما يحدث هو إعادة إنتاج مناهج صربيا لجين شارب وشركائه فيما سمي بالربيع العربي، والتي تم التخطيط لها في أروقة البنتاجون في 2005 ووزارة الخارجية الأمريكية 2006 وتم تدريب الناشطين في صربيا 2010.
وتم الاتفاق على تقسيم الأدوار في منزل في شارع الاستقلال بإسطنبول في 19 مارس 2010 بحضور 4 من قيادات الإخوان ووائل غنيم، وممثلى المخابرات الأمريكية والتركية والقطرية، ولكن الشعوب الناضجة لا تلدغ من جحر مرتين غير أن الظرف الراهن فرصة للكلام الجاد بدون تزويق، خاصة إذا كان من أرضية وطنية لا تبتغي إلا وجه الله والوطن.
فقد انتقدنا إعلامنا في يناير الأسود لأنه سقط رهينة في قبضة الجوبلزيين الجدد منذ مشروع "كولن باول" و"ليزا تشيني" للصحافة والإعلام عام 2004، وبعد 30 يونيو قررت الدولة قطع الأذرع الطولية لاقتصاد السوق الحرة في الإعلام، ونجحنا وعادت الآلة الإعلامية في حضن الدولة، وكانت المشكلة في عودتها لغير المهنيين وخاصة في مرحلة عملية الإحلال.
وكان مفترضا في عملية الإحلال والتبديل للفريق من أول المعد نهاية بمقدم البرامج الاعتماد على المهنيين المثقفين الوطنيين، وما أكثرهم، وبدلا من ذلك أدوا بمجموعة من أهل الثقة من أصحاب التطبيل والجهل وسطحية المعلومة وقلة الثقافة، ومعظمهم وطنيون بالأجرة، وهؤلاء تحولوا إلى جنود أمن تتصرف بقوة الدفع الذاتي لتحول أي معلومة أو خبر إلى محاذير أمنية حتى بدون تعليمات أو انتظارا للتعليمات، وهنا يفقد الإعلام مهنيته وإبداعه ورغبته في التطوير، ويرتعش الصوت وتجف الأقلام وتضيق مساحة الرؤية لعدسات التصوير والنتيجة أصبحت واضحة للجميع.
أما رد فعل الشعب فقد انصرفت قطاعات عريضة منه عن الإعلام المصري وحملت كفنه لتسقط رهينة في قبضة الجزيرة ومكملين والشرق وبي بي سي، أي العودة إلى الجوبلزيين الجدد، وهذه المرة لا بفعل "كولن باول" و"ليزا تشيني" بل بيدنا، ونحن لا ننتقد الدولة بل نخشى عليها من قلة شاغلها الشاغل الحفاظ على الكرسي أو المنصب وبصراحة جذور المشكلة باختصار لم تعد في الإعلام.
المشكلة أنه ليس هناك معارضة، ومن يعارض يتم إسكاته واتهامه، وداخل البرلمان لا توجد أحزاب معارضة والمعارضة المشروعة هي فقط من خلال الأحزاب وليس برامج الإعلام والتحريض أو مواقع السوشيال ميديا باختلاقاتها وتلفيقها، واتساعها لكل من هب ودب يطلق الشائعات، ويطلب بإسقاط النظام أو رحيل الرئيس.
المطلوب معارضة تظهر الخلل وتسلط الضوء على أوجه التقصير وتفضح الفاسدين بالاثباتات.. وتتخذ من القنوات الشرعية طريقا لإعادة الأمور إلى صوابها دون التلميح أو التجريح في شخص الريس أو الأجهزة السيادية.
لا بد من إعادة الدور الحيوي لأحزاب معارضة حقيقية وممثلة في البرلمان، ومن يريد أن يشتغل بالسياسة عليه الانضمام لحزب سياسي أو ليصمت.
وبصراحة أكثر فإن الحالة الاقتصادية للناس جعلتهم لا يهتمون بما يدار للدولة من مخاطر وإرهاب وخاصة بعد تدهور الطبقة المتوسطة وانشغالها وإنهاكها بتدبير لقمة العيش، ولكنهم لا يدرون أن الفتنة إذا أقبلت من بعيد عرفها كل عالم وكل عاقل، ولكن السفهاء والحمقى -وهم من أيقظها- لا يعرفونها إلا حين تطحنهم برحاها، وتحرقهم بنارها، وتنتشر في كل مكان انتشار النار في الهشيم..
"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" كما ورد في الأثر، وفي كل أحقاب التاريخ ووقائع الحاضر الذي نعرف فإن الفتن لا يوقظها عالم، ولا عاقل، بل يوقظها الجهلاء، والحمقى، والسفهاء، والحاقدون، فهم صم بكم لا يبصرون ولكنهم لا يلبثون أن يصطلون بنارها ويصطرخون من لهيبها. والأمر هكذا، فإن مصر آمنة سالمة بإذن الله ولكن مطلوب إصلاح حتمي لا مساومة فيه أو مكابرة قبل فوات الأوان، وألف "لا" لهدم مقصود مجهول الغاية يؤدي إلى مجهول.