إستراتيجية إيران لمواجهة "الضغط الأقصى" لترامب
أكدت السعودية أن إيران تقف "بلا شك" وراء الهجمات على منشآتها النفطية، وأظهرت تحقيقاتها أن الصواريخ المستعملة في تلك الهجمات لم يكن من الممكن إطلاقها من جنوب غرب اليمن، ولكنها جاءت على الأرجح من الشمال. وألقت الولايات المتحدة بدورها باللوم على إيران في الهجمات، ومع ذلك، لم يتم تقديم أي دليل واضح لحد الآن على تورط الجمهورية الإسلامية.
الهجمات أدت إلى خفض إنتاج النفط السعودي مؤقتًا إلى النصف، فيما أعلن المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران عن مسؤوليتهم المباشرة، وهم الذين يقاتلون القوات السعودية منذ عام 2014، في حرب أدت لسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.
"سعي لرسم الخطوط الحمراء"
بعثت طهران رسالة دبلوماسية إلى الولايات المتحدة نفت فيها أي دور لها في الهجمات، وحذرت من أي تحرّك ضدها. وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إن المذكرة الرسمية أُرسلت عبر السفارة السويسرية التي تمثّل مصالح الولايات المتحدة في طهران، "شددت على أن إيران لم تلعب أي دور في هذا الهجوم وتنفي وتدين" الاتهامات الأمريكية في هذا الصدد. وشددت الرسالة "على أن أي تحرّك ضد إيران، سيواجه برد فوري ولن يقتصر على مجرّد التهديد".
هذه هي "إستراتيجية إيران بالتحديد: إذا تعرضت إيران لهجوم عسكري، فسوف تجر المنطقة بأسرها إلى حرب بعيدة المدى، إذ تسعى طهران لزيادة تكلفة النزاع بين الولايات المتحدة وحلفائها، من جهة، وإيران من جهة أخرى". على حد تعبير فرزانة روستائي الصحافية والخبيرة في الشئون العسكرية في حوار مع DW. ولا تعتقد روستائي أن إيران "لا علاقة لها بالهجوم على المنشآت النفطية السعودية". "هناك افتراض بأن إيران تحاول استخدام الحوثيين أو ميليشيات شيعية أخرى لإظهار الحدود (التي لا يجوز انتهاكها) من قبل الولايات المتحدة".
يذكر أن الولايات المتحدة انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران في مايو 2018. وفرضت مجموعة من العقوبات الشاملة على البلاد كجزء من استراتيجيتها المسماة بـ"الضغط الأقصى" وفقا لتعبير الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى لإجبار إيران على إبرام اتفاق جديد وشامل يشمل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.
"وصمة عار كبير للسعودية"
تدعم السعودية السياسة الأمريكية في المنطقة، وهي الحليف الرئيسي لواشنطن في الخليج، والمنافس الإقليمي الرئيسي لإيران. هناك صراع محموم وخطير على الهيمنة والنفوذ بين القوتين الإقليميتين في الشرق الأوسط. غير أن إيران لا تستطيع استيراد الأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015، فيما تعتبر السعودية إحدى الدول الأكثر إنفاقا على السلاح في العالم.
ويرى ميشائيل لودرز، الخبير الألماني في شئون الشرق الأوسط في مقابلة مع DW أن "السعودية هي أهم مشترٍ للأسلحة الأمريكية، حيث تخصص 10 في المائة من جميع صادرات الأسلحة الأمريكية للمملكة". واستطرد موضحا "مع ذلك، هناك عدد قليل من الطائرات بدون طيار البسيطة نسبيا، تكفي لإيقاف أجزاء واسعة من صناعة النفط بالبلاد، ما يعتبر وصمة عار هائلة للسعودية". أما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فرأى في الهجوم على بلاده "اختبارا حقيقيا للإرادة الدولية في مواجهة الأعمال التخريبية".
ضغوط داخلية وخارجية ضد إيران
تتعرض إيران لضغوط هائلة بفعل العقوبات الأمريكية، فيما تشهد البلاد احتجاجات جديدة ويومية تقريبًا تسحقها قوات الأمن بوحشية، كما حدث يوم (الإثنين 16 سبتمبر 2019) في مدينة أراك غرب البلاد حيث تظاهر مئات العمال في شركة إنتاج المعدات الثقيلة (HEPCO) لأنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ يونيو. وبات الإفلاس يهدد أكبر شركة مصنعة للآلات الثقيلة في الشرق الأوسط.
الضغوط تتزايد من الخارج أيضا ولها عواقب متعددة الأبعاد، كما توضح إيلي غيرانمايه، خبيرة الشئون الإيرانية في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR): لقد وصلت " إيران إلى نهاية صبرها الإستراتيجي". فقد كانت تأمل أن يضع الأوروبيون والصينيون حزمة اقتصادية من أجلها، ما كان سيتيح لها إمكانية انتظار الانتخابات الأمريكية المقبلة على أمل أن يفوز بها معسكر الديمقراطيين، كما تقول جيرانمايه.
وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى تقف إيران فعليًا وراء الهجمات ضد السعودية، فقد أصبحت قدراتها العسكرية "غير المتماثلة" واضحة للعيان، توازيها الهشاشة الأمنية لإمدادات النفط العالمية. وهذا ما يضع طهران في قلب أجندة اهتمامات المجتمع الدولي. ويبدو أن الجمهورية الإسلامية ستواصل التشبث باستراتيجيتها هذه إلى غاية تحقيق هدفها الحيوي وهو رفع الحظر النفطي الذي تفرضه واشنطن.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل