انخفض الدولار ولم تتأثر الأسعار!
نلاحظ في هذه الآونة ظاهرة انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه، حيث وصل إلى سعر 16.36 جنيه للبيع، والجميع يتساءل عن سبب عدم تراجع الأسعار رغم انخفاض سعر الدولار، وهي ظاهرة مصرية خالصة، فالمعروف عالميا أن سعر العملة التي يتم الاستيراد بها إذا انخفض انعكس ذلك على الأسعار والعكس صحيح تماما، إلا أننا نجد في مصر نصف المعادلة فقط، ففي حالة ارتفاع سعر صرف الدولار ترتفع الأسعار فورا لكن في حالة انخفاض سعر الدولار لا تنخفض الأسعار.
وقبل أن نوضح أسباب عدم انخفاض الأسعار رغم انخفاض سعر صرف الدولار نوضح أسباب تراجع الدولار أمام الجنيه، ومن هذه الأسباب أنه زادت التدفقات من النقد الأجنبي عبر زيادة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، حيث بلغت 16،8 مليار دولار في منتصف أبريل 2019 وبلغت 17،8 مليار دولار في منتصف مايو 2019، وارتفعت حيازة الأجانب لأدوات الدين المحلي بنسبة 40% حتى شهر مايو 2019.
ومن المتوقع ألا تتأثر مكانة مصر كدولة جاذبة للاستثمار في أدوات الدين، حيث يقترض المستثمرون بالعملات التي لديها معدلات فائدة منخفضة والاستثمار بها في الدول التي تتميز بسعر الفائدة المرتفع ومن بينها مصر.
وارتفاع الاحتياطي النقدي المصري من العملات الأجنبية ليصل إلى 44،3 مليار دولار. وارتفاع الحصيلة من قطاع السياحة، حيث شهد قطاع السياحة في مصر زيادة حصيلة السياحة خلال عام 2018 بزيادة قدرها 16،5% ليحقق 11،3 مليار دولار وقد أسهمت السياحة بنسبة 11،9% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
أما انخفاض فاتورة الإنفاق على المواد البترولية بعد اكتشافات الغاز الطبيعي، وتحقيق مصر للاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، أدى بالتبعية إلى توفير العملات الأجنبية وتقليل الطلب عليها وهذا وفّر بدوره 3 مليارات دولار سنويا. فضلا عن ارتفاع حصيلة تحويلات العاملين بالخارج، حيث بلغت قيمة تحويلات العاملين بالخارج 25،5 مليار دولار، حيث حققت في مارس الماضي 2،3 مليار دولار، علمًا بأنها كانت 1،8 مليار دولار خلال فبراير 2019 بزيادة قدرها 23،5%.
وإلغاء البنك المركزي آلية تحويل بالنسبة للأجانب أدى إلى خلق السيولة ووفرة العملات الأجنبية في البنوك، وساعد هذا القرار إلى اتجاه أموال صناديق الاستثمار إلى السوق مباشرة، ما أسهم في عودة ثقة المؤسسات العالمية بالسوق المصرية. وارتفاع التصنيف الائتماني لمصر الذي أسهم في زيادة ثقة المستثمرين الأجانب للدخول بقوة في السوق المصرية، سواء كان في البورصة المصرية وأيضا في الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، حيث بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في البورصة وأدوات الدين الحكومية نحو 26 مليار دولار. وتحقيق الصادرات المصرية خلال عام 2018 زيادة بنسبة 11،6% لتصبح في حدود 25،5 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى زيادة الصادرات البترولية وكذلك زيادة الصادرات من الحاصلات الزراعية.
تراجعت فاتورة الاستيراد من الخارج لتتراوح في حدود 55 إلى 60 مليار دولار سنويًا في حين أنها كانت من قبل في حدود 75- 80 مليار دولار سنويًا ويرجع ذلك، إلى القواعد الترشيدية وإحكام عملية الاستيراد ووضع القيود والقواعد التي من شأنها تخفيض فاتورة الاستيراد من الخارج واللجوء إلى البديل المحلي والبُعد عن الاستيراد العشوائي. وزيادة حجم تدفقات النقد الأجنبي منذ بدء سياسات الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه، كذلك زيادة حجم تدفقات النقد الأجنبي أسهمت في زيادة المعروض من الدولار، حيث تجاوزت التدفقات النقدية من الدولار أكثر من 160 مليار دولار منذ عام 2016 حتى الآن.
رغم انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في حدود 120 قرشا بنسبة 7،5% تقريبًا وتقدم وتحسن 5 موارد دولارية أساسية لمصر، فإن أسعار السلع والمنتجات في مصر لم تنخفض في معظم المنتجات المعروضة في السوق المصرية، ويرجع أسباب عدم انخفاض السلع لأسباب منها تخوف التجار من أن يكون هذا الانخفاض مؤقتا ويعود الدولار في الارتفاع مرة أخرى لا سيما أن الانخفاض جاء بشكل قوي من بداية عام 2019، إضافة إلى عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق ومتابعة وضعف أدوات الرقابة على السوق. كما أن سعر السلع يتحدد بالانخفاض وفقًا لما يعرف بالدورة التجارية وهي تمتد من 3 إلى 4 أشهر، إضافة إلى وجود حالة الكساد في السوق وانخفاض القوة الشرائية لم يشجع التجار إلى تخفيض الأسعار.
وتسببت زيادة أسعار وتكاليف الإنتاج الأخرى المتوقعة في عدم تخفيض سعر السلع والمنتجات، ومن هذه التكاليف أسعار الكهرباء والمياه والمواد البترولية التي تزيد من تكاليف الإنتاج والنقل، كذلك عدم انخفاض قيمة الدولار الجمركي، وأخيرا جشع شريحة من التجار ورغبتهم في تحقيق أعلى معدلات ربحية.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن التضخم لا يزال يحقق أرقاما موجبة، أي أن الأسعار في ارتفاع، وإن كان هذا الارتفاع قد تباطأ في الشهور الأخيرة.
يذكر بعض المستوردين أن تراجع سعر الدولار أمام الجنيه، لم يؤثر على أسعار السلع، لأن الانخفاض جاء بالتدريج ولم يأت هذا التراجع مرة واحدة. وأنه لو كان الدولار هبط مثلا 89 قرشًا مرة واحدة لكان المردود إيجابيا لكن الهبوط كان بمستويات بسيطة بين 5 و7 قروش وبالتالي لم يؤثر بشكل واضح على الأسعار.
والحقيقة أن ضعف أدوات الرقابة على السوق يساهم أيضا في إعطاء الفرصة للتجار لمنع انخفاض الأسعار، واستفادة المواطنين من تراجع الدولار.