رئيس التحرير
عصام كامل

«بن علي رحل».. مات رجل الدولة ضحية السيدة الأولى و«الشلة»

الرئيس التونسي الأسبق،
الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن على

توفي الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، عن عمر ناهز 83 عاما، في المستشفى التخصصي بمدينة جدة السعودية، حيث يقيم منذ تركه البلاد بسبب الثورة ضد حكمه في 2011، ولا ينسى المواطن العربي المحامي عبد الناصر العويني، الذي ظل يصدح بمقولته الشهيرة في شوارع تونس: "بن علي هرب".


الربيع العربي

وحكم زين العابدين بن علي، تونس منذ عام 1987 إلى عام 2011، واضطر إلى التخلي عن السلطة تحت ضغط انتفاضة شعبية كانت الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي.

ومنذ ذلك الحين التزم بن علي الصمت ربما بسبب القيود التي فرضتها المملكة التي قالت عند استقباله: إنه لن يسمح له بممارسة أي نشاط سياسي، بعدما ظلت طائرته عالقة في الجو حينها بدون وجهة وقبلت الرياض بدخولها مجالها الجوي إبان حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وقد شرعت تونس في محاكمة رئيسها الأسبق على خلفية قضايا نسبت له تتعلق بالفساد واستغلال منصبه، ووصف بن علي في السادس من يونيو 2011 على لسان محاميه الفرنسي جان ايف لوبروني محاكمته بأنها "مهزلة"، وكانت تلك المرة الأولى التي تحدث فيها علنا منذ فراره من تونس.

حالته الصحية

وفي السابق، ومنذ استقراره في السعودية، ظهرت على فترات متباعدة شائعات حول تأزم مفترض لوضعه الصحي وحتى أنباء كاذبة عن وفاته.

وأعلن منير بن صالحة، الذي يقدم نفسه محاميا لبن علي، في 12 سبتمبر 2019 أن الأخير "مريض جدا"، ليعود وينفي لاحقا كل الإشاعات التي تم تداولها بخصوص وفاته، مبينا في تصريح لإذاعة تونسية خاصة أنه "لم يمت ولكن حالته الصحية صعبة. خرج من المستشفى ويعالج في بيته وحالته مستقرة".

وفي عام 2011، قدم الرئيس التونسي السابق روايته عن فراره عبر محاميه، موضحا أنه كان ضحية مخطط وضعه المسئول عن أمنه الجنرال علي السرياطي، الذي قال له: بأنه كانت هناك تهديدات باغتياله، ودفعه إلى المغادرة لنقل عائلته إلى مكان آمن، ثم منعه من العودة إلى البلاد.

ويؤكد بن علي أنه لم يعط أبدا "أوامر باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين". وتفيد حصيلة رسمية أن 338 شخصا قتلوا في قمع الثورة التي قامت ضد حكم بن علي.

ليلى الطرابلسي

في 2012 نشرت زوجته ليلى الطرابلسي كتابا بعنوان "حقيقتي" ترفض فيه اتهامات الفساد والتوجه الدكتاتوري للنظام السابق. وللمرة الأولى منذ فرارهما، نشرت صورة لـ بن علي بشعره الأسود المصبوغ مبتسما إلى جانب زوجته وهي ترتدي الحجاب، لينفيا بذلك شائعات حول طلاقهما.

ويرى مراقبون للشأن التونسي أن الرئيس الراحل، سقط في براثن طموح زوجته السيدة الأولى، وعائلتها "الطرابلسية" بعدما تمدد أشقاء ليلى في مناحي الاقتصاد والسياسة، وفرضوا سطوتهم على مقدرات الدولة.

ومنذ استقراره بالسعودية، نشرت صور قليلة جدا لزين العابدين بن علي على حسابات لأولاده وبعض المقربين على إنستجرام. وآخر هذه الصور تقاسمها مغني الراب "كادوريم" في بداية 2019، ليظهر إلى جانب "خطيبته" نسرين بن علي ووالديها. وبدا بن علي نحيفا مقارنة بالماضي، وظهرت على ملامحه وهيئته علامات الشيخوخة.

أما بالنسبة إلى بقية أفراد عائلته، فتقيم اليوم غزوة ودرصاف وسيرين، بنات بن علي من زوجته الأولى نعيمة الكافي، في تونس.

رجل العصابات

وعاد صهر بن علي سليم شيبوب -زوج درصاف- إلى تونس في 18 نوفمبر 2014 من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أقام فيها منذ مغادرته البلاد إبان الثورة. ومثل شيبوب فور عودته إلى تونس أمام القضاء ولوحق في قضايا يتعلق أغلبها باستغلال نفوذ وفساد مالي خلال فترة حكم بن علي (2011/1987). وهو اليوم طليق بعد أن خضع لآليات المصالحة في إطار العدالة الانتقالية في البلاد فتعهد بإرجاع مبلغ مالي يقدر بنحو مئة ألف يورو للدولة.

واختفى بلحسن الطرابلسي شقيق ليلى بن علي منذ مايو عام 2016 بعد فراره من كندا، حيث كان قد لجأ قبل ساعات قليلة من سقوط بن علي في 14 يناير 2011 بعد مغادرته تونس مع عائلته على متن يخته. وهو رجل أعمال ثري ومتهم بأنه من بين الذين سيطروا على مقاليد البلاد اقتصاديا، وباستغلال النفوذ بشكل غير مشروع. ثم ظهر في في مرسيليا حيث اعتقل في مارس 2019، وواجه الطرابلسي في فرنسا خصوصا تهمة "غسيل الأموال في عصابة منظمة"، ثم أفرج عنه بشرط ألا يغادر الأراضي الفرنسية قبل أن تنظر تونس في طلب تسلمه، أما عماد الطرابلسي، ابن شقيق ليلى، فهو في السجن في تونس.


وكانت "هيئة الحقيقة والكرامة" المكلّفة بالعدالة الانتقالية في تونس قد نشرت في مارس 2019 تقريرها الختامي، ودعت فيه إلى إصلاح المؤسسات الفاسدة التي تمارس القمع، وطلبت من رئيس البلاد الاعتذار من الضحايا. وأنهت "هيئة الحقيقة والكرامة" التي تأسست في العام 2014 في أعقاب سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011، تفويضها أواخر 2018، وتمكنت من نشر توصياتها التي تهدف إلى إرساء الديمقراطية في تونس. وطلبت "هيئة الحقيقة والكرامة" التونسية من رئيس البلاد الباجي قايد السبسي آنذاك الاعتذار من ضحايا الاستبداد خلال الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 1955 و2013، كما دعت إلى إصلاح المؤسسات الفاسدة التي تمارس القمع. وجاءت هذه الدعوات في إطار تقرير ختامي للهيئة يتضمن 150 صفحة موجهة للقادة التونسيين الرئيسيين.

الميلاد والنشأة

ولد زين العابدين بن علي في مدينة حمام سوسة الساحلية في الثالث من سبتمبر 1936 في عائلة متواضعة، إذ كان والده حارسا في مرفأ مدينة سوسة.

التحق سنة 1958 بالجيش التونسي حديث النشأة، وتم اختياره ضمن مجموعة من الضباط الشبان للالتحاق بمدرسة "سان سير" العسكرية الفرنسية لتكوين النواة الأولى للجيش الوطني التونسي.

بعودته إلى تونس سنة 1964 شغل بن علي منصب مدير الأمن الوطني لعشر سنوات، ثم الملحق العسكري في المغرب، ثم في إسبانيا. وتابع ترقيه ليصبح سفيرا لتونس في بولندا حتى سنة 1984 ثم وزيرا للداخلية.

وفي سنة 1987 أصبح زين العابدين بن علي رئيسا للوزراء في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد شهدت مواجهات دامية مع المعارضة النقابية، وخاصة الإسلامية التي انتهجت المقاومة المسلحة ضد حكومة الحبيب بورقيبة.

انقلاب أبيض

في السابع من نوفمبر 1987 استند رئيس الحكومة التونسية زين العابدين بن علي إلى تقرير طبي لأطباء الرئيس الحبيب بورقيبة؛ لإثبات عدم قدرة الأخير على تسيير البلاد. وتولى بموجب الدستور التونسي، مقاليد الحكم في ما تسميه السلطة بـ"الثورة الهادئة" ويسميه البعض بـ"الانقلاب الطبي".

ما إن استلم بن علي فعليا مقاليد الحكم حتى بادر إلى وضع إصلاحات "تقدمية" تحسب له جعلت البعض يتحدث عن حلول "الربيع الديمقراطي" بتونس. فأطلق سراح الكثير من المعتقلين السياسيين كزعيم الاتحاد العام التونسي للعمل "الحبيب عاشور"، وزعيم حركة النهضة الإسلامية "راشد الغنوشي"، وتصالح مع قيادات من الحركات التونسية المعارضة، وقام بالعديد من الإجراءات القانونية المهمة، فألغى الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية للسلطة وعقوبة الأشغال الشاقة، وحدد مدة الإيقاف الاحتياطي بأربعة أيام.

كما عزّز بن علي وضع المرأة التونسية، وواصل نهج إصلاحات الحبيب بورقيبة لصالح المرأة التونسية، فمنحها العديد من الامتيازات التي لا تتوافر لنظيرتها في بقية الدول العربية.

غير أن هذه الموجة الليبرالية صاحبتها وفق البعض إجراءات لإحكام السيطرة على الساحة السياسية، وتضييق المجال أمام الحريات العامة، وتهميش دور المعارضة التي نجح في استمالة بعضها كالحزب الشيوعي التونسي، وتصفية البعض الآخر منها كحركة النهضة الإسلامية.

التهديد الإسلامي

وخلال الانتخابات التعددية الأولى في تونس التي جرت في الثاني من أبريل 1989 حصل نواب الحكومة على كل مقاعد البرلمان، وحصل بن علي خلال الانتخابات الرئاسية على 99.02 بالمئة من أصوات الناخبين.

وأمام التهديد الإسلامي أصدر بن علي قانونا ينظم ارتياد المساجد، وفرض غلقها خارج أوقات الصلاة، كما منع ارتداء الحجاب في أماكن العمل والدراسة.

كما تزايدت ممارسات الرقابة التي تستهدف الصحف التونسية والأجنبية في تونس، فثارت جمعيات حقوق الإنسان على النظام التونسي مندّدة بالظروف التي تمارس فيها حرية التعبير والرقابة على الكتب ومواقع الإنترنت، وشجبت أيضا إغلاق مواقع للمعارضة.

بالرغم من هذه المآخذ، فإن بن علي جعل تونس من أكثر البلدان العربية انفتاحا على أوروبا، وحافظ على معدلات تنمية مستقرة في بلد محدود الموارد. وأصبحت تونس منذ 1995 أول بلد من الضفة الجنوبية للمتوسط يوقع اتفاق شراكة وتبادل تجاري حر مع الاتحاد الأوروبي.

انفتاح ديمقراطي

وعوضا عن أن يواكب بن علي مشروع الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بانفتاح ديمقراطي وإعلامي حقيقي، ويفسح المجال للمنظمات غير الحكومية والصحافة الوطنية بممارسة نشاطاتها بكل حرية، واصل فرض قبضته الحديدية على المجتمع التونسي ليصبح الرجل الآمر والناهي في جميع مجالات الحياة.

وفاة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي

ففي 2009، بعد انتخابه للمرة الخامسة على التوالي، سمح بن علي لأقاربه وأصدقائه بإنشاء إذاعات وقناة تليفزيونية خاصة موالية لنظامه، في حين لم تنجح خططه التنموية في استيعاب أعداد الشبان العاطلين عن العمل وتحسين ظروف حياتهم، فارتفعت نسب البطالة والفقر وأصبح التونسي يحلم بالهجرة، على غرار شباب الدول العربية المجاورة.


الجريدة الرسمية