"الحرام".. من "الفرزدق" إلى "القصرى"
في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"، تعلَّق قلب "عبد الفتاح القصرى" براقصة وأراد مُصاحبتها، وعندما علمتْ زوجته "زينات صدقى"، تسللتْ إلى غرفة الراقصة في الكباريه، وتقمصتْ شخصيتها، وتحدثتْ مع العاشق الولهان من وراء "البارافان"، ودار بينهما حوارٌ ساخرٌ.
وكان من بين العبارات التي رددها "القصرى" عندما سألته عن زوجته: "بصراحة قبلك ما حبيتش، إنتى البريمو، إنما الجواز كاس، مكتوب على كل الناس، وأنا بختى كان إسود مهبب بعيد عنك". وعندما مَدَّتْ الزوجة المتنكرة أصابعها في دلال مُتصنَّع، تلقفها الزوج المخدوع مرددًا: "يا لهوتى على الصوابع اللى زى صوابع الموز".
وعندما مدت ذراعها احتضنه بيديه قائلًا:" يا خرابى على الدراعات اللى زى اللُّمَض النايلو، متتعبيش نفسك، الكهربا عملت كونتكت". وعندما خرجت له بكامل هيئتها، بدا مصدومًا منزعجًا وظل يردد: "حى.. الإسعاف جاى"، في واحد من أشهر المشاهد الكوميدية للثنائى الراحل.
وقبل هذا الفيلم، الذي أنتجته السينما المصرية في خمسينيات القرن الماضى، تورط شاعر الهجاء الأشهر "الفرزدق" في موقف مشابه، عندما واعد امرأة على سهرة آثمة، فتمنَّعتْ في البداية، فلما هدَّدها بأنه سوف يهجوها، ليتحاكى بسيرتها الركبان، أظهرت له الموافقة، وقالت له: "أنا أتيك في مكان كذا وكذا.. ولكني امرأة أستحي فلا تُشعِلنَّ سِراجًا ولا تُحدِّثني"، فوعدها بأن يفعل.
فلما أقبل الليل وذهب "الفرزدق" إلى ذلك المكان، ذهبتْ المرأة إلى زوجته "النوَّار"، وأخبرتها بالقصة، وقالت لها "اذهبي أنتِ إليه"، فذهبت زوجته إليه ثم دخلت عليه في هذه الدار المُظلمة، ثم لما انتهى منها، وقضى منها وطرًا.. قالت له: يا فلان أما عرفتني؟! أنا فلانة زوجتك. فقال لها: أعوذ بالله.. ما أطيبكِ حرامًا، وأبغضكِ حلالًا!
لا شكَّ في أنَّ الموقفين متطابقان تمامًا التطابق. ولا شك أن عبارة: "حىِّ.. الإسعاف جاى"، التي قالها "القصرى" تشبه في دلالتها، ما قاله "الفرزدق": "ما أطيبك حرامًا، وأبغضك حلالًا". وكما أن "القصرى" كان مبهور بأصابع وذراعى زوجته، قبل أن تُروِّعه بوجهها، فإنَّ "الفرزدق" ضاجع زوجته في الظلام- حسب الاتفاق- باعتبارها امرأة أخرى، ولما علم أنها زوجته قال لها كلمته المشهورة التي صارت مثلًا: "ما أطيبك حرامًا، وأبغضك حلالًا.
ما فعله "القصرى" و"الفرزدق" لا يختلف كثيرًا عما يقترفه هواة الحرام ومحترفو العلاقات الآثمة، في زمننا المعاصر. فقد يترك الواحد منا زوجته "الحلال"، ليعاشر "في الحرام" من هي أدنى منها جمالًا. ومن قبل "الفرزدق"، ومن بعد "القصرى"، لم يلتزم أهل الأرض بأوامر السماء في اجتناب معصية "الزنا"، فلا يخلو كتاب مقدس من توجيه أتباعه بعدم الاقتراب من هذه الفاحشة.
التكييف الدينى لهذه الحالة "الحيوانية"، تلقى بالمسئولية على الشيطان، باعتباره من يُزيِّنُ الحرام ويجعله أشد متعة، حتى لو كان في أحضان امرأة قبيحة دميمة. قال "ابن القيم" رحمه الله: "المؤمن لا تتم له لذَّةٌ بمعصيةٍ أبدًا، بل لا يُباشرها إلا والحزن يخالط قلبه، ومتى خلا قلبه من هذا الحزن فليبكِ على موت قلبه".
ومن عجائب تلبيس الشيطان لابن آدم أن يُزيِّن له الحرام، ويُبغض إليه الحلال، حتى ولو كان نفس المذاق!
أما التفسيرات النفسية لانتشار فاحشة الزنا على نطاق واسع، بين عموم الناس، فقرائهم وأغنيائهم، لا سيما في بلاد المسلمين، فإنها إما مُعقدة أومُتداخلة أو مرتبكة، ولكنها تقودنا في النهاية إلى نظرية شعبية رائجة هي: "الممنوع مرغوب". ولكن قد يكون الممنوع مرغوبًا عند ذوى الاختلالات والاضطرابات النفسية وناقصى العقول والدين، أما أصحاب النفوس السوية والفطرة السليمة، فلا يمكن أن يعاقروا الحرام، ويتلذذون به على غرار "الفرزدق" و"القصرى"!!