رئيس التحرير
عصام كامل

قيس والقروي.. بسطاء تونس يقلبون طاولة السياسة على رأس النخبة

قيس سعيد ونبيل القروي
قيس سعيد ونبيل القروي

أظهرت النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة التونسية، تصدر المرشحين، قيس سعيد ونبيل القروي نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس.


وقالت الهيئة، في مؤتمر صحفي: إن قيس سعيد حصل على 620711 بنسبة 18.4% من أصوات الناخبين، فيما حصل نبيل القروي على 525517 صوتا بنسبة 15.58% من الأصوات.

وبهذه النتيجة، تأهل كلاهما إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المبكرة المزمع عقدها قبل حلول الـ13 من أكتوبر القادم.

أول زيارة

تعهد المرشح المتصدر لنتائج الدور الأول لانتخابات الرئاسة التونسية، قيس سعيد، أن تكون الجزائر أول وجهة خارجية له في حال فوزه بمنصب الرئاسة، مؤكدا أن مصير تونس "مرتبط بدول الجوار".

ووفقا لكثير من المراقبين، فإن النتيجة تمثل صدمة كبيرة، للمؤسسة السياسية التونسية، بكل رموزها وأحزابها، وتؤشر إلى حالة من فقدان الثقة، من قبل الشعب التونسي، بالمؤسسة السياسية التي حكمت البلاد على مدار سنوات ماضية.

صدمة المؤسسة

وينتمي سعيد، الذي يتحدث الفصحى دائما، كما لو كان في محاضرة بالجامعة، للطبقة المتوسطة على عكس أغلب الطبقة السياسية، ويقود سيارته القديمة، ويقول إنه يفضل البقاء في منزله، إذا تم انتخابه بدلا من الانتقال إلى القصر الرئاسي الفاخر في قرطاج.

وبينما أنفق مرشحون مئات الآلاف من الدولارات، على حملاتهم، لم يكن لسعيد مدير حملة، ولا تمويل، وقد اكتفى بمقر متواضع من ثلاث غرف، في مبنى قديم وسط العاصمة، وكان يعول على تبرعات متواضعة من متطوعين يدعمونه.

ويتشابه نبيل القروي، الذي حل في المرتبة الثانية، مع قيس سعيد، في أن كليهما جاءا من خارج المؤسسة السياسية التونسية، لكنهما يختلفان من حيث الإمكانات والثراء المالي، ويشارك القروي الذي يقدم نفسه على أنه رجل أعمال ناشط، في المجال الخيري، في الانتخابات باسم حزب "قلب تونس".

من هو السعيد

وبرز اسم قيس سعيد بعد الثورة، حيث عرفه التونسيون من خلال مداخلاته الإعلامية كخبير في القانون الدستوري، وشد إليه معجبيه -خاصة من الشباب- بفصاحة لسانه والتزامه بالحديث باللغة العربية الفصحى في المجالس الرسمية والعامة.

وأظهر الرجل انحيازا واضحا لمبادئ الثورة، معتبرا أن رحيل رأس النظام لا يعني إسقاط النظام برمته، داعيا إلى تأسيس دولة قيامها العدل والسيادة الوطنية والحكم المحلي.

وأعلن منذ أشهر تعففه عن السلطة والقصور والمآدب الفاخرة، مستدركا أنه لن يتردد في تلبية نداء الواجب وخوض الانتخابات الرئاسية ومواجهة المنظومة الحزبية من باب مسؤوليته تجاه الوطن.

ويطرح سعيد في أكثر من مداخلة وجهة نظره الخاصة حول الدور الاجتماعي المكفول للدولة تجاه أبنائها، مؤكدا أن عهد الأحزاب قد ولّى وانتهى، وأنه آن للشعب أن يسترجع سيادته على أرضه وثرواته.

قبل أشهر، استقبل العديد من التونسيين خبر اعتزام قيس سعيد الترشح للانتخابات الرئاسية بسخرية وتندر، فهو الرجل البسيط الهادئ الذي لا يملك حزبا أو جهة سياسية تدعمه ولا رصيدا سياسيا قويا يجعله قادرًا على مواجهة أسماء بارزة في المشهد السياسي ومرشحين مدعومين سياسيًا وماديًا وإعلاميًا.

وحتى بعد أن برز اسمه في استطلاعات الرأي ضمن أهمّ الشخصيات المرشحة لتحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات الرئاسية، لم يتوقع أحد مروره إلى الدور الثاني للمنافسة على رئاسة تونس.

خبير القانون

وقيس سعيد (61 سنة) واحد من أهمّ الأسماء البارزة في المجال القانوني والدستوري بتونس، إذ حصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية سنة 1985، وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري سنة 1986 ، ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بإيطاليا سنة 2001.

درس سعيّد في العديد من الجامعات التونسية، وأدار قسم القانون العام بكلية الحقوق في سوسة بين 1994 و1999، وكان ضمن فريق الخبراء للأمانة العامة لجامعة الدول العربية الذي أعدّ ميثاق الجامعة العربية، كما كانت له مساهمة في إعداد الدستور التونسي الجديد.

وبعد ثورة 2011، كان هذا الرجل من الأسماء التي اكتشفها التونسيون بسبب ظهوره المتكرر على وسائل الإعلام، لشرح وتحليل المسائل القانونية والدستورية المرتبطة بالقضايا السياسية، وقد تلمّسوا فيه شخصية مختلفة وطريفة في آن واحد، بسبب طريقة كلامه وأسلوب خطابه الذي يعتمد أساسًا على اللغة العربية الفصيحة والتحدث بجدية ودون تشنج ودون توقف، حتى أصبح يلقب بـ"الروبوكوب" أو الرجل الآلي.

ولكن اسمه صعد منذ إعلانه اعتزام الترشح إلى الانتخابات الرئاسية بصفته مرشحًا مستقلًا، وظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باسمه تدعو إلى الالتفاف حوله ودعمه للفوز في هذا الاستحقاق الانتخابي، يقودها خاصة طلبة جامعيون، فتزايد الاهتمام به وبترشحه ونجح في الاستئثار بنصيب واسع من المساندة، حتى برز اسمه في استطلاعات الرأي وتصدر نوايا تصويت التونسيين.

المرشح السجين

تصدر المترشح قيس سعيد، الذي يعد مفاجأة كبرى للوسط السياسي، لا يقل أهمية عن حلول منافسه في جولة الإعادة، نبيل القروى، المعتقل على ذمة قضايا تتعلق بغسل الأموال.

أسس القروي حزب "قلب تونس" ودخل به الانتخابات، لكن تم توقيفه قبل انطلاق الحملة الانتخابية وسجنه، فتولت زوجته سلمى سماوي التي تعمل بشركة "مايكروسوفت" مواصلة حملته.


وأعلن القروي، مؤسس قناة "نسمة" التليفزيونية الخاصة، في 2 أغسطس ترشحه للانتخابات الرئاسية، وخاض الحملة على رأس حزبه الذي أسسه حديثا.

ويواجه القروي (55 عاما) العديد من القضايا ضده وضد قناته التي كانت مقربة من دوائر الحكم سابقا.

رجل التسويق

ونبيل القروي رجل تسويق بامتياز، شغل مناصب إدارة أعمال في شركات "كولجيت" و"بالموليف" ثم "هينكل" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قبل أن يؤسس مع شقيقه غازي القروي شركة "قروي أند قروي" للإعلام والإشهار عام 2002.

ومع اندلاع الثورة التونسية في 2011 أصبحت قناته التليفزيونية "نسمة تي في"، التي كانت متخصصة في برامج الترفيه، تحظى بمتابعة واسعة من قبل التونسيين، وخصوصا عندما انتقلت إلى بثّ البرامج الإخبارية الناطقة باللهجة العامية.

وأثار بث القناة في نهاية 2011 فيلم "بيرسيبوليس" الفرنسي الإيراني جدلا في البلاد بسبب تجسيده صورة الذات الإلهية، ما تسبب بفرض غرامة على القروي بقيمة 1،200 يورو بتهمة "تعكير صفو النظام العام"، كما حاول متشددون مهاجمة منزله.

وكثيرا ما واجه القروي انتقادات واسعة واتهامات بتسخير قناته التليفزيونية لخدمة حملة الباجي قائد السبسي للرئاسة عام 2014، وقدّم استقالته في نهاية المطاف من القناة في عام 2016 وانضم لاحقا إلى حزب "نداء تونس" الرئاسي.

وقررت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، المكلفة بمنح التراخيص القانونية للمؤسسات الإعلامية في تونس ومراقبتها، منع قناة "نسمة" من تغطية الحملات الانتخابية لاتهامها بمحاولة "التأثير على مفاصل الدولة".

تمكن نبيل القروي في السنوات الأخيرة من تكوين صورة رجل الأعمال الناشط في المجال الخيري بتوزيعه إعانات للعائلات والأشخاص الذين يعانون الفقر في المناطق الداخلية من البلاد.

خليل تونس

ولعب البرنامج التليفزيوني الأسبوعي "خليل تونس" (نسبة لاسم ابنه الذي توفي في حادث مرور عام 2016) الذي يبث أسبوعيا على قناته "نسمة" دورا كبيرا في ذلك.

ويتنقل القروي بين قرى تونس المعزولة بمظهر شبابي وشعره الأبيض وقامته الرهيفة، فيصغي إلى شكاوى السكان من صعوبة الحياة مع ارتفاع التضخم ونسبة البطالة التي تطال أعدادا كبيرة من شبابهم.

ويقول القروي: "خليل تونس قربني من الناس ومن فهم المشكلات الاجتماعية الكبرى في البلاد. التواصل المباشر مع الناس أثر فيّ كثيرا ومنذ مطلع عام 2019 فكّرت في الترشح للانتخابات".

قيس سعيد VS نبيل القروي.. نتائج انتخابات تونس خارج التوقعات


وقال علاء الطالبي رئيس "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" في تصريحات لقناة "الحرة" الأمريكية: إن الرجل "يدرك جيدا ما يفعل، وتمكن من خلال تليفزيونه والأعمال الخيرية التي يقوم بها من الدخول إلى بيوت المهمشين".

ويوضح الطالبي أنه "في غياب مؤسسات الدولة، من السهل على القروي ملء هذا الفراغ" وكسب تعاطف الناس.


الجريدة الرسمية