المتهم البريء (1)
التطبيع ليس جريمة يعاقب عليها مرتكبها، ربما تكون هذه الجملة صادمة لكل السادة رافضى التطبيع مع إسرائيل.. وحتى لا أتهم بالخروج على الإجماع ، فإننى أؤكد أننى أرفض التطبيع، ولكن تعالوا نبتعد عن العواطف وننظر للأمور بموضوعية وعقلانية.. ليس في قانون نقابة المهن التمثيلية، ولا في لائحتها، ولا في لوائح الاتحاد العام للنقابات الفنية، ما يفيد منع الأعضاء من التطبيع مع إسرائيل.. كما أنه بالطبع ليس ضمن قوانين الدولة ما يمنع من هذا التطبيع وليس هناك ما يجرمه.
تعالوا نعود ثمانية وثلاثين عامًا إلى الوراء، وبالتحديد في 19 يناير 1981، اجتمع مجلس إدارة الاتحاد العام للنقابات الفنية في جلسة عادية برئاسة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة رئيس الاتحاد.. كان ذلك بعد عامين من توقيع معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، وفي هذه الجلسة التاريخية بحكم ما ترتب عليها من قرارات خلال الثلاثين عامًا الماضية، وفي سطرين فقط اتخذ مجلس الاتحاد قراره التالى: "ممنوع منعًا باتًا التعامل بأى شكل من الأشكال مع إسرائيل"، ويعلن عن ذلك في جميع النقابات، وسيعاقب كل من يتعامل معها من أعضاء النقابات الثلاث بالفصل من النقابة.
هذه الأسطر هي النص الكامل لقرار اتحاد النقابات الفنية برفض التطبيع الفنى مع إسرائيل، الطريف أن هذا القرار جاء بمبادرة فردية من رئيس الاتحاد، وفقًا لما جاء في محضر الجلسة، حيث قال "وهبة": "تم الاتصال بى أمس لتكوين لجنة فنية من النقابات الثلاث لزيارة إسرائيل والبدء في دراسة مجموعة من الأنشطة الفنية هناك، ورفضت واتخذت قرارًا باسم الاتحاد بأنه لا تعامل مع إسرائيل وأعرض الأمر عليكم لاتخاذ القرار"..
وقد وافق المجلس بالإجماع على القرار.. وقد وقع على محضر الاجتماع رئيس الاتحاد، والغريب في الأمر أن صورة المحضر موقعة أيضاَ بالاعتماد من وزير الدولة للثقافة والإعلام ورئيس المجلس الأعلى للثقافة السيد منصور حسن، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن – بعد مرور 30 عامًا على معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، مازلت هذه الأسطر القليلة تتحكم في مسار الحركة الفنية في مصر وتخضع لأهواء وتفسيرات. كلما حدث حادث.
الغريب أن النص واضح وصريح ولا لبس أو غموض فيه.
واسمحوا لى أن أعيده مرة أخرى "ممنوع منعًا باتًا التعامل بأى شكل من الأشكال الفنية مع إسرائيل". وبالنظر إلى مشاركة الفنان خالد النبوى في الفيلم الأمريكى "اللعبة العادلة" نجد أنه قد مارس حقه الدستورى في قبول عمل عرض عليه، ووجد فيه مصلحته الشخصية حتى لو شاركت في الفيلم ممثلة إسرائيلية "ليزار شارهى" أو أكثر، فإن هذا لا يعتبر تطبيعًا مع إسرائيل، لأن الفيلم إنتاج أمريكى، وليس هناك ما يمنع من التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.