رئيس التحرير
عصام كامل

لا نعرف علماءنا حتى يموتوا قتلا أو كمدا!


إرث غريب مسيطر على طريقة التفكير والتكريم المصرية، أن تغمض عينيك عن جواهر الفكر والعقل من أبناء الوطن إلى أن يموتوا! موت العلماء في مصر عادة يقع في واحد من النماذج التالية:

نموذج الموت كمدا وحسرة، نموذج طلوع السر الإلهى بالسكتة القلبية وغيرها.. مما نطلق عليه الأسباب الطبيعية غير الجنائية.

نموذج القتل. ونموذج القتل له طريقان: طريق داخل الوطن وطريق خارج الوطن. وفى الحالين فإن الفاعل الرئيسي عادة هو جهاز مخابرات خارجى.

لكن هناك استثناءات؛ فقد يقع قتل عالم كبير أو مفكر جليل أو روائي نابغة على يد صعلوك جاهل بايع الإخوان الدواعش ويبيع الفراخ الحية! نموذج الموت كمدا هو أيضا نوع من أنواع القتل؛ وهو ناجم عن إحساس شديد الوطأة يستولى على العالم، وهو يرى العالمة موضع تكريم وتقديس وتكديس أموال فوق رأسها وعلى أفخاذها، بينما رأسه قد سقط بين كتفيه من كثرة الهم والمكابدة والمكايدة. من المسئول عن القتل الاجتماعى هذا؟

إنها الدولة أولا، وسلم القيم المقلوب في المجتمع حاليا.

وقبل ساعات كانت العالم يتحدث عن الوفاة الغامضة العاجلة للعالم المصرى دكتور أبو بكر عبد المنعم، الأستاذ المتفرغ ورئيس الشبكة القومية للمرصد الإشعاعى بهيئة الرقابة النووية المصرية.

مات البروفيسور في مدينة مراكش المغربية، ووقت كتابة هذه السطور أمس، كانت جثته قيد التشريح بأمر نيابة مراكش، لمعرفة كيف أن كوب عصير تناوله الدكتور أبو بكر في غرفته سبب له مغصا شديدا قتله عقب وصوله المستشفى!

أثناء المغص تمكن الدكتور أبو بكر من طلب خدمة الفندق للاستغاثة.

العالم المصرى متخصص في المواقع والبيئة، ومصادر في الرقابة النووية ذكرت أنه لا علاقة له بالمفاعلات، وكان موقع روسيا اليوم الإلكترونى ومواقع أخرى ألمانية ذكرت أنه مكلف من عام ٢٠١٥ ببحث التأثيرات النووية لمفاعلى بوشهر الإيرانى وديمونة الإسرائيلى.

سواء كان عالما نوويا أو عالما في البيئات ومواقع المفاعلات، فإننا في الحقيقة أمام واقعة مريبة، طلبت مصر رسميا التحقيق فيها.

لا نعرف كيف سينتهى التحقيق، ولا ماهى الخطوة التالية، ليس لأنها مجهولة بل لأنها ستدخل سرداب الظلام الحالك المعتاد.

كنت حققت قضية مصرع أو اغتيال عالم الصواريخ الفضائية المصرى الدكتور عقيد مهندس سعيد سيد بدير نجل المخرج الشهير سيد بدير، وكان لقي مصرعه في يوليو ١٩٨٩ بسقوط مريب من فوق سطوح منزله في الإسكندرية.

كان معى المصور الصحفى الكبير فاروق إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة.. انتقلت من الإسكندرية إلى الزقازيق، وقالت زوجته وقال شقيقه وزملاؤه الذين عاشوا معه في ألمانيا إنه وأسرته تعرضوا للاضطهاد والتهديد وحرق منزله في ألمانيا، وفي القاهرة استغاث بالرئيس الأسبق مبارك، كنا عام ١٩٨٩ إن لم تخنى الذاكرة.. (يمكن الرجوع إلى مجلة كل الناس ومراجعة الملف كاملا في أربع حلقات).

كانت له رسالة قطعت بأنهم قتلوه ولم ينتحر كما حسب كثيرون وقتها.. وبعد سنوات وسنوات، ذهب ملف قضية سعيد سيد بدير إلى المدفن ذاته الذي استقبل جثة ملف عالم الذرة المصرى الدكتور يحيى المشد، الذي اغتيل بفندقه أيضا في باريس في يونيو عام ١٩٨٠.

كان يحيي المشد على رأس البرنامج النووى العراقى.. من ثم أشارت كل الدلائل إلى ضلوع الموساد! من قبل المشد، قتل أينشتين العرب دكتور مصطفى مشرفة، وقتلت نبوية موسى في حادث سير، وقتل صاحب شخصية مصر العبقرى جمال حمدان حرقا في منزله!

من الفاعل؟

الفاعل هو المستفيد من الانفراد بالقدرات النووية في المنطقة، الفاعل هو الموساد فيما سبق.. وفيما لحق..

إذ سيقتل كل عالم مصرى نابغة تال.. إن لم نوفر برنامجا متكاملا لحماية العلماء المصريين في الداخل وفى الخارج: حمايتهم من الفقر في الداخل، وحمايتهم من القتل في الخارج وفى الداخل أحيانا !
الجريدة الرسمية