رئيس التحرير
عصام كامل

النيل قدسه الفراعنة.. وغنى له"عبد الوهاب".. وأهمله الجميع؟!


نهر النيل هو شريان الحياة للمصريين، وكان مقدسا لدى الفراعنة الذين كانوا يجرمون ويحرمون العبث بمياه النيل، وحتى الآن يظل نهر النيل له الأهمية الكبرى، بل أهميته تتزايد يوما بعد الآخر، وخاصة مع الأخطار التي تهدد بنقصان حصة مصر التي نتحصل عليها كل عام، والسبب السدود التي يمكن أن تقام عليه، وكلنا نعرف مشكلة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، وإن كان العمل فيه متوقفا لأسباب داخلية كثيرة، إلا أنه تسبب في قلق لنا في مصر.


ماذا فعلنا نحن للنيل الخالد؟! هل نحافظ عليه بالشكل الذي يجب أن يكون؟ هل نشعر بقيمته وأهميته وبأنه فعلا شريان الحياة؟ الإجابة هي أننا لم نفعل شيئا حقيقيا للمحافظة عليه، أهملناه في كل شىء، بنظرة من أي مكان على طول امتداده سنكتشف سريعا أن التعامل مع النيل لا يرتقى مطلقا لأهميته للحياة حتى أن "هيرودوت" كتب "أن مصر هبة النيل"..

سأذكر موقفا لايزال محفورا في ذاكرتى، ففى قريتنا يمر مصرف صغير جدا نهايته تصل إلى النيل، كنا نري في طفولتنا أن هذا المصرف لابد من توسعته وزيادة عمقه عن طريق الكراكة، التي كانت تخرج الطمى على جانب الطريق، ليكون طميا يأخذه الفلاح للاستخدام مرة أخرى.

 سألت في المدرسة أستاذى "عبدالحميد شبل" وكنت في المرحلة الابتدائية، فقال إن ما يحدث هنا هو امتداد لما يحدث مع النيل نفسه، هناك فرق مخصصة للحفاظ على النيل وتأمين شواطئه من أي اعتداء، ومراقبة منسوب المياه، وتكريس أهمية وقيمة النيل التي يستحقها..

قلت ولكن نحن بعيدون عن نهر النيل ولا يمر علينا؟ قال: هذه المصارف لابد أن تكون جاهزة للفيضان، لأنها  تعتبر رافدا مهما نعتمد عليه في رى الأراضي البعيدة عن النيل، وعندما يكون المصرف عميقا ونظيفا يجلب مياه أكثر وتكون أكثر نقاء عند استخدامها للرى!

وأذكر هنا أنه أحيانا يأتى مع زيادة الفيضان ريم على سطح المياه، كنا نرى فرقا تطارد الريم واى نباتات أخرى لأنها تمتص المياه مما يقلل  حجم المياه! هذا كان ما يحدث في ستينيات القرن الماضى، وأثناء بناء السد العالى أعظم مشاريع القرن العشرين.

وأذكر هنا في نهاية الثمانينات وعندما ساد الجفاف أفريقيا، أنقذ السد العالى مصر من خطر الجفاف، وقتها ارتفع الوعى بين الناس لأهمية المياه، لدرجة أنه كان نادرا أن تجد أحد المواطنين يغسل عربيته بخرطوم المياه أو يرش أمام المحل، شعر الجميع بالخطر، وبالتالى نجحنا في عبور أزمة من أصعب الأزمات التي واجهتنا في العصر الحديث، ولكن بعد مرور الأزمة هدأت الأمور وعادت السلبيات التي كنا قضينا عليها وقت الأزمة.

لأننى كنت في أحد الأيام مندوبا لجريدتى لدى وزارة الرى، وأعرف عن قرب د. محمود أبوزيد أحد خبراء المياه على المستوى العربى والأفريقى ووزير الرى الأسبق، أدرك أن نهر النيل لا يأخذ حقه في الاهتمام، وهنا أتحدث عن نهر النيل الذي تحول إلى مقلب للقمامة والنفايات، وليس في منطقة محددة بعينها، سهل جدا أن ترى هذا من أي محافظة على النيل، وعلى رأس المحافظات القاهرة من شبرا وحتى حلوان، ستجد العجب العجاب..

وهنا اقترحت إقامة وزارة خاصة للنيل، يكون هدفها حمايته وحماية حرم النهر، حتى نستطيع استخدام مايصلنا أحسن استخدام، خاصة أننا سندخل مرحلة الشح المائى لا محالة، وبالتالى يجب أن يصبح للنيل وزير يحميه!

المدهش أن اقتراحى جاء بردود فعل لم أتوقعها، مثلا اللواء مهندس حسام زكريا قال: ستتحول الوزارة إلى "كلكيعة" بيروقراطية لا لزوم لها إطلاقا، ستضم مديرين ومحاسيب يتقاضون بدلات، ويقومون بالإفطار فول وطعمية وجرجير ويزيدون الأمر تعقيدا، وعلينا أن نعاود قراءة الراحل العظيم (المقهور) حسين مؤنس "إدارة عموم الزير"..! 

وعلق الأستاذ رضا شاهين: ثلاثة أرباع الميزانية ستنفق على أشياء غريبة! أما الناقد الكبير شوقى عبدالحميد فقال: المفروض أنه يتبع وزارة الرى وكان اسمها الرى والجمال، ويقصد جمال الطبيعة، أتمنى عودة اسمها القديم وزارة الرى وجمال الطبيعة، ونفس المعنى أشارت له الخبيرة نهى النجار وإلى أن الأمر يحتاج فقط لتفعيل القوانين وإعادة الوعى حول أن تلوث ماء النهر خطيئة!

أما الفنانة الدكتورة رانيا يحيى الأستاذ باكاديمية الفنون فسألت: أين وزارة البيئة مما يحدث.. بتتفرج فقط!؟ أما اللواء حاتم عبداللطيف فيقول ليس خسارة ولكنهم لن يفعلوا! من المسئول؟ فيرد على هذا الدكتور سعد الزنط: مسئولية حماية جدنا النيل ضائعة بين الرى والبيئة.. والوزارتان في خبر كان!

أما الدكتورة سلوى العدوى فأشارت إلى منطقة تعد في قلب القاهرة الكبرى عند كوبرى عباس لنعرف مدى الكارثة التي يعيشها نهر النيل!

وبعد كل هذا هل نستطيع حماية النيل من التلوث والاعتداء على حرمه؟! يا سادة نهر النيل قدسه الفراعنة.. وغنى له "عبد الوهاب" ولكن للأسف أهمله الجميع الآن؟

تحيا مصر بعرق الفلاحين البسطاء في الغيطان
تحيا مصر بشقى العمال أمام المكن في المصانع
تحيا مصر بدماء شهدائها أنبل ما فينا!
الجريدة الرسمية