رئيس التحرير
عصام كامل

الطاعون الدملي ضرب مصر.. حكاية أسوأ عام في تاريخ البشرية.. 536 ميلاديا حمل كوارث طبيعية وانخفاض درجات الحرارة.. فترة حالكة اقتصاديا وحمم بركانية بالهواء.. وسقوط الإمبراطورية الرومانية

فيتو

ترى الأجيال الحالية أنها تعيش فترة من أسوأ الفترات الزمنية في تاريخ البشرية، في ظل الاحتباس الحراري وحرائق الغابات وانتشار الأسلحة النووية وتفشى الأمراض القاتلة.

لكن بالعودة إلى تاريخ العالم يتضح أن السنة الأسوأ في تاريخ البشرية كانت عام 536 ميلاديا، والتي شهدت انخفاض غير مبرر في درجات الحرارة، وانتشار طاعون قاتل طال مصر ودول أوروبا، وحصد أرواح البشر بدون توقف.

السنة الأسوأ

وحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كان عام 536 بحسب ما يقول مؤرخ العصور الوسطى وعالم الآثار في جامعة هافارد، مايكل ماكورميك: أحد أسوأ الفترات إن لم تكن أسوأها، لمن كان يعيش في أجزاء شاسعة من العالم في ذلك الوقت.
ضباب الشرق الأوسط
و غمر حينها ضباب غريب أوروبا ومنطقة والشرق الأوسط، وأجزاء من آسيا، صارت السماء قاتمة ليلا ونهارا، لمدة 18 شهرا، بحسب ما جاء في مقالة كتبها ماكورميك في مجلة "ساينس العلوم".

وانخفضت درجة الحرارة في صيف 536 بنسبة بين 1.5 درجة و2.5 درجة، ليبدأ أبرد عقد في السنوات الـ2300 الماضية. وسقطت الثلوج في ذلك الصيف في الصين، وتضررت المحاصيل الزراعية، ومات الناس جوعا.

الطاعون الدملي

ونقلت السجلات الأيرلندية رواية عن حدوث شح في الخبز فيما بين عامي 536 و539".

وفي عام 541 أصاب نوع من الطاعون، يعرف بالطاعون الدملي، ميناء بيلوسيوم الروماني في مصر.

وانتشر ذلك الطاعون، الذي عرف باسم طاعون جستنيان، بسرعة كبيرة، وقضى على ما بين ثلث إلى نصف سكان الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وسارع في انهيارها، بحسب ما يقوله ماكورميك.

فترة حالكة

يعرف المؤرخون منذ فترة طويلة أنه كانت هناك في منتصف القرن السادس الميلادي فترة حالكة فيما كان يعرف آنذاك بالعصور المظلمة. ولكن مصدر السحب الغامضة ظل لغزا مدة طويلة.

ووجد باحثون يعملون في "مبادرة ماضي العلوم البشرية" في جامعة هارفارد تفسيرا، بعد أن أجروا تحليلا شديد الدقة للثلوج التي أخذوها من الأنهار الجليدية السويسرية.

زجاج بركاني

وعثر في الثلوج، التي ترجع إلى فترة الربيع في عام 536، على جزيئات زجاج بركاني دقيقة تشير إلى حدوث انفجار بركاني فادح في أيسلندا، أو ربما في شمال أمريكا، أدى إلى انبعاث رماد كثيف غطى الجزء الشمالي من الكرة الأرضية.

ويعتقد الباحثون أن الرياح حملت الضباب البركاني عبر أوروبا، وفي وقت لاحق إلى آسيا، وكان ذلك مصحوبا بطقس بارد.

ثم تبع ذلك انفجاران كبيران آخران في عامي 540 و547.

جمود اقتصادي

وأعقب تلك الانفجارات المتكررة ظهور طاعون، أدى إلى إغراق أوروبا في جمود اقتصادي استمر نحو قرن من الزمن، حتى عام 640 بعد الميلاد.

وتشير الثلوج التي ترجع إلى ذلك العام إلى بدء تعافي الاقتصاد في العصور الوسطى.

رصاص في الهواء

ووجد الباحثون آثار زيادة كبيرة في مستويات الرصاص في الهواء وفي الأنهار الجليدية، مما يشير إلى عودة التنجيم عن الفضة، وهو ما كان قد تقلص كثيرا في السنوات العشر الأولى من القرن السادس.

ثم ظهرت طفرة أخرى في الرصاص في عام 660، مما يدل على استخدام الفضة بكثرة في اقتصاد القرون الوسطى.

دول تشهد كوارث طبيعية في 2019 بينها 3 عربية

وقال المتخصص في تاريخ الرومان والعصور الوسطى في جامعة أوكلاهوما في نورمان، كايل هاربر: إن سجل الكوارث الطبيعية المفصل، والتلوث البشري المجمد في الثلوج: "يعطينا سجلا جديدا نفهم منه سلسلة الأسباب البشرية والطبيعية التي أدت إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، والتقلبات المبكرة في اقتصاد العصور الوسطى".

وتسمح تلك المعلومات المجمدة للعلماء بإلقاء الضوء على ما تبقى من أحد أشد الفترات ظلمة في الحضارة الغربية.
الجريدة الرسمية