رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا جرى أمس بين "حزب الله" وإسرائيل؟!


في الرابع من ديسمبر 2011 أعلنت إيران عن إسقاط طائرة تجسس أمريكية متطورة جدا من طراز ار كيو 170 فوق مدينة كاشمر.. أمريكا نفت الخبر.. فعقد الإيرانيون مؤتمرا صحفيا عرضوا الطائرة وقالوا إنها تم إنزالها وليس إسقاطها بما يعني توجيهها والتدخل في عملها! وبعد عامين أعلنت إيران في 2013 عن تصنيع طائرة مماثلة!


ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا أمام معركة جارية منذ سنوات لم تشهد أي هدنة.. وليس صحيح على الإطلاق أن ما يجري تمثيل من طرفين.. وهذا الطرح استخفاف بالأمر وبعقول الناس.. ما يجري "وظيف" وليس "تمثيل" إذ الفرق كبير بين "التمثيل" و"التوظيف" خصوصا أن هناك طرفا ثالثا يدفع الثمن!

إيران لديها مشروع تهدف به العودة إلى "فارس العظمي" وهي طموحات قومية وبالتالي فهذا المشروع يتم على حساب المشاريع القومية الأخرى.. القومية العربية الوحيدة التي تعاني أزمة والمدهش أنها تعاني من أبنائها أنفسهم والمنتمين لها.. كان طبيعيا أن يتصادم المشروع الإيراني مع المشاريع التوسعية الأخرى.. وفي مقدمتها المشروع الصهيوني الذي يرغب في ابتلاع المنطقة كلها وليس فقط الهيمنة عليها، ثم المشروع القومي التركي الذي يتأجل الصدام بينه وبين المشروع الإيراني الفارسي!

ولفهم ما جري أمس بين "حزب الله" وإسرائيل علينا أن نفهم أولا ما جري في الخليج.. إعلان أمريكا منع بيع النفط الإيراني إعلان حرب.. خصوصا مع الضغط على أصدقاء إيران لمنع شراء النفط الإيراني.. حتى الصين والهند واليابان.. وهو ما يعني تجويع إيران وليس فقط إضعافها!

إيران ردت بعنف.. منحت أوروبا وقتا لتنفيذ التزاماتها.. وأظهرت أوراقها في الخليج.. وقدراتها المؤلمة لمن يريد العدوان عليها.. وأعادت العمل للبرنامج النووي.. وتعاملت بندية ملفته حتى جاء العشرين من يونيو الماضي حيث أسقطت إيران من جديد طائرة تجسس شديدة التطور من طراز "جلوبال هوك" مرتفعة الثمن..

وهو ما أكد للأمريكان أن سلاح الحرب الإلكترونية متطور جدا وقادر على التعامل وهو ما يعني خسائر باهظة ليس في الخليج فحسب وإنما في إسرائيل أيضا.. فبدأت التهدئة.. وانطلقت الوساطات.. وبدأت فرص دول أخرى للظهور دوليا كالصين التي استفادت من تصريح الرئيس الأمريكي بأن "على كل دولة حماية مصالحها في الخليج"، فكانت الفرصة لانطلاق الصين عسكريا في المنطقة وكانت كلها أسباب لتراجع شبح الحرب قليلا!

التراجع الأمريكي اأغضب الإسرائيليين فيما يبدو.. وطلبت إسرائيل أن تتصرف بنفسها.. فبدأت تلاعب إيران.. فضربت معسكرات الحشد الشعبي في العراق ثم استمرار العدوان على سوريا ثم جاء الدور على لبنان!

رد العراق عسكريا الآن صعب.. وسوريا ترتب أولوياتها وتري أن استكمال تطهير البلاد من الإرهاب ومن أثر الوجود التركي له الأولوية.. أما "حزب الله" في لبنان فكانت الفرصة لإكمال المشهد في الخليج وقد كان!

أسبوع من التلاعب باعصاب نتنياهو والإسرائيليين.. ثم رد مفاجئ لاحظنا أنه أولا على الحدود وليس العمق.. وأنه ضد هدف عسكري وليس ضد منطقة مدنية.. وهو ما يعني أنه رد محدود لا يريد فاعله حرب كبيرة.. أما عن التوقيت فهو ذكي.. لأنه يمكن لإسرائيل تدمير لبنان ككل مرة.. من محطات كهرباء ومياه وبنية تحتية.. لكن على نتنياهو أن يتحمل آلاف الصواريخ فوق إسرائيل والانتخابات القادمة لا تحتمل صور القتلي والجرحي والفارين إلى الملاجئ وأرقام انخفاض السياحة خصوصا أن تدمير الدبابة الإسرائيلية أكد امتلاك "حزب الله" لسلاح روسي خارق للدرع المحصنة!!

ما جري اظهر "التوازن والتحدي" وهي ذاتها نتيجة ما جري في الخليج.. وهو ما يعني انتظار توظيف ذلك سياسيا.. والتوظيف السياسي يعني المكاسب للأصحابه.. ولما لا والطرف الثالث يدفع دائما الثمن؟!

والحل: دولة واحدة فقط في المنطقة وفي العالم هي التي تتحدث عن "أمن قومي عربي" و"جيش عربي واحد" وهو ما لن يتم إلا بإخماد نيران الصراعات العربية المشتعلة، وهي وحدها التي وضعت تعريف للإرهاب هو الإرهاب الحقيقي الذي يهدد العالم ويدمر الدول الشقيقة، ووحدها هذه الدولة التي لا تعرف الطائفية، بل تدعو إلى نبذ أي حروب مذهبية.. نعرفها وتعرفونها ورؤيتها وحدها التي تعيد مصالح العرب إلى وضعها الطبيعي وإخراجهم من وضعية "الطرف الثالث" الذي يدفع الثمن!
اللهم بلغت..
الجريدة الرسمية