رئيس التحرير
عصام كامل

محمد التابعي يدق ناقوس الخطر للحفاظ على نزاهة القضاء

محمد التابعى
محمد التابعى

في مجلة آخر ساعة عام 1949 كتب الصحفى محمد التابعى مقالا يحذر فيه من ضعف مرتبات القضاة فقال:

"مصر متهمة في نزاهتها من القريب والغريب، من الخارج ومن الداخل.. وخلاصة الاتهامات الفساد سواء كان رشوة أو اختلاسا أو سوء تصرف قد استشرى في الإدارة الحكومية واستشرت عدواه، إلا هيئة واحدة فقط أو سلطة واحدة ظلت والحمد لله فوق كل ريبة وكل شبهة وبقيت والحمد لله نظيفة ومحترمة تنحني أمامها الرءوس، وأقصد قضاة مصر وقضاء مصر أو سلطتها القضائية، أما بقية السلطات فلم تسلم من رشاش الاتهام".


واليوم يرتفع صوت القضاة بالشكوى، ويقولون إنهم مغبونون ومظلومون وأنهم يطلبون لأنفسهم العدالة قبل أن ينشروها بين الناس، وقد يكونون على حق في شكواهم، وقد لا يكونون، فغدا كانت الثانية كان من واجب الدولة أن تقنعهم بأنهم مخطئون وأن تشفى نفوسهم مما فيها من الإحساس بالظلم والغبن والأجحاف".

أما إذا كانوا مصيبين.. فهنا المصيبة الكبرى والخطر الأكبر، لأنى لا آمن على ميزان العدالة في يد القاضى المظلوم.
ميزان العدالة.. بل كل ميزانا يضطرب حتما في يد ذى النفس القلقة والصدر الممرور، والقضاة بشر لم يزعموا لأنفسهم ولا زعمت لهم اللوائح المالية أنهم أولياء وقديسون معصومون منزهون.. وهذا هو الخطر.

فلنشترك جميعا في دق ناقوس الخطر لنعمل جميعا على أن يبقى لمصر قضاؤها سليما منزها بريئا من كل عيب، وأنا أدرى أن الشكوى عامة بين جميع الطبقات، وبالأخص بين طبقة الموظفين وسوف تظل الشكوى عامة، بل وسوف يرتفع صوتها ويزداد ما دامت الحكومة عاجزة عن مكافحة هذا الغلاء المطرد.

إن قيمة المرتبات ليست بعدد الجنيهات بل بقيمتها الشرائية، وأن الموظف أو القاضى الذي كان مرتبه منذ أربعين عاما مثلا ثلاثين جنيها في الشهر كان راضيا وقانعا لأنه كان أسعد حظا بكثير من موظف اليوم الذي يتناول في الشهر مرتبا قدره سبعون جنيها أو أكثر.

وأنا أدرى كذلك أن الحكومة لا تستطيع أن تنصف جميع طوائف الموظفين أو تزيد في مرتبات وأجور الموظفين، أو ترضى آلاف الشاكين المزدحمين على أبوابها يطلبون الانصاف.

لكنى أعتقد أن القضاة أولى بالتقديم، وأن بقية طوائف الشاكين لا تتردد في أن تتنحى جانبا وتفسح الطريق أمام رجال القضاء، لأن القضاء هو الملاذ والملجأ الأول والأخير.

ولا خوف على مظلوم ما دام في البلد قضاء، ولن يكون في البلد قضاء يحس قضاته بأنهم مظلومون. 
الجريدة الرسمية