Back to school.. و"قهر الرجال"
لو كنتَ وليًا لأمر تلميذ، فأكثر، فإنك، مع قرب انطلاق الموسم الدراسى الجديد، تكون قد ضربت موعدًا مع "قهر الرجال". من المؤكد أنك تشاركنى هذا الهمَّ، وذلك الوجع؛ فالمصاريف الدراسية لـ" تلميذ واحد"، صارت عبئًا ثقيلًا جدًا، فما بالك بمن يتحملون أعباء اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك؟!
الواقع تجاوز المنطق، بل إن المنطق يقف عاجزًا بائسًا أمامه، لا حولَ له ولا قوة، مصاريف المدارس ارتفعت أكثر من 20% عن العام الماضى، رغم أنف الوزارة وتعليماتها وتوجيهاتها وتصريحات مسؤوليها الكاذبة. أما أسعار الملابس والمستلزمات المدرسية فحدِّث ولا حرَج، وصولًا إلى الكتب الخارجية، وليس انتهاء بالدروس الخصوصية.
المدارس الخاصة أصبحت "دولة داخل الدولة"، لا تخضع لضوابط أو رقابة، تفعل ما تريد في أولياء الأمور، تتفنن في استنزافهم، وتفرض شروطها عليهم، دون تقديم خدمة تعليمية جيدة أو متميزة. وكثافة الفصول في المدارس الحكومية تجعلها جحيمًا لا يُطاق.
مع انطلاقة كل موسم دراسى جديد، أشعر بأنى من أهل الكهف، وأنَّ الموت غيَّبنى عقدين أو ثلاثة عقود، قبل أن أعود مجددًا إلى الحياة؛ فالأسعار خرافية جنونية، لا تحتملها جيوب أصحاب الدخل المحدود أو المتوسط، فهذه حقيبة مدرسية "عادية" تتجاوز ألف جنيه، وهذا حذاء "بسيط" يكسر حاجز خمسمائة جنيه، وهذا "لانش بوكس" بـ 250 جنيهاَ، أما "اليونيفورم" فيحتاج إلى ميزانية مفتوحة..
وبعدما تدفع صاغرًا مصاريف المدرسة، ومعها مصاريف الباص، وتشترى جميع المستلزمات المدرسية المطلوبة، من: كتب وكشاكيل وأقلام و"سبلايز"، فإياك أن تتوهم أن المهمة الانتحارية قد انتهتْ، ولكنك سوف تكون على موعد آخر مع "عبء جسيم"، ماديًا ومعنويًا، وهو المُخصصات المالية الشهرية للدروس الخصوصية، والتي تُعتبر دليلًا واضحًا وكاشفًا على فشل وتردى العملية التعليمية بالكامل، وتعكس كيف أصبح قطاع هائل من المدرسين من ذوى "الضمير الغائب"، وغالبًا "الضمير الميت"!
على مدار السنوات الأخيرة.. تحولت "الدروس الخصوصية" إلى "ورم سرطانى كبير" في جسد التعليم المصرى الواهن؛ وأمر واقع غير قابل للتغيير، فمن ناحية تكشف عن أن المدارس " حكومية/ خاصة" عدمت دورها، وصارت بلا أي قيمة علمية، ولا حتى أخلاقية. ومن ناحية ثانية.. تؤكد أن المُعلم الذي كاد أن يكون رسولًا في زمن أمير الشعراء "أحمد شوقى"، تخلى بكامل إرادته عن رسالته الإنسانية والأخلاقية، وتحول إلى مجرد باحث ولاهث عن المال دون حياء أو خجل، كأى "صنايعى" يحتال عليك؛ ليحصل على ما في جيوبك!
المؤسف.. أنه بعد استنزافك ماليًا على مدار أكثر من 16 عامًا، تمثل إجمالى سنوات المراحل الدراسية، فإن "سبع البُرمبة"، قد لا يحقق المأمول منه، بالالتحاق بإحدى كليات القمة، وضمان فرصة عمل فور تخرجه، بل قد ينتهى به المطاف إلى إحدى كليات العاطلين والمتعطلين عن العمل، ويبقى كلًَّا على مولاه!
خلاصة القول.. أنَّ نظام التعليم في مصر، يمضى من سيئ إلى أسوأ، ولا أمل في إصلاحه أو ضبط إيقاعه قريبًا، خلال المدى القريب على الأقل، ويدفع ولى الأمر دفعًا إلى أن يكون "مجرد آلة"؛ للبحث المال وتدبير أعباء الحياة الثقيلة، من حلٍّ ومن حَرَمٍ، كما أنه يتحول تدريجيًا إلى "نظام طائفى عنصرى"، لا يستطيع تحمل تكاليفه، القطاعُ الأكبرُ من عموم المصريين، الذي يضرب فيهم الفقر مخالبه يومًا وراء يوم، فيما تكتفى الجهات الحكومية المعنية بالصمت القاتل والعاجز والمريب والمثير للجدل والألم.. وإلى اللهِ المُشتكى..