رئيس التحرير
عصام كامل

نزيه رزق.. المصور العالمى الكفيف (5)


لا يرى نزيه رزق نفسه أول وآخر المكفوفين الذين يقدمون شيئا جميلا أو مفيدا، فقد احتفظ في ذاكرته ذات الـ «16» عاما قبل فقدانه لبصره.. بالأشياء الجميلة ومواطن الإحساس، قبل أن يدرك أنه سوف يكون مصورًا فوتوغرافيًا فنانًا، فوعى حركات الطبيعة.. متغيرها وثابتها، فاختار اللقطات الصعبة.


وكأنه ينفي عن نفسه حالتها، كما تقول رنا نجدان، فحلت البصيرة محل البصر، وراح يبحث عن الحركة في عالم السكون، ليسير عكس اتجاه حالته..الجمال شراعه، ودفته تضافر حواسه وتناسقها، فعرف أين يرسو.. فألف كتبا عدة منها: الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لفاقدي البصر، والأمثال الشعبية في المجتمع المصري، ومن وراء القلوب المبصرة.

يقيم نزيه في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في ولاية نبراسكا، ويستخدم في لقطاته كاميرا عادية «مانيوال»، أهداها له أحد أصدقائه، ويرافقه في جولاته مرافق أو مرافقة، تصف له المكان، وتأتي حساباته وزواياه التي يراها هو، لتكون الصورة حية وموحية، وكأنها لوحة تشكيلية.

حين يصور نزيه يجعل ذاكرته البصرية هي المرجع وكأنها شاشة عرض عنده خلف البصر المفقود، ثم يطابق، لكي تكون الصورة فنية ومعبرة، وليست تسجيلية جامدة وراح يدرب نفسه على تقدير المسافة بينه وبين الأجسام والطبيعة والصوت والرائحة، فرقّ عنده السمع فغدا يعرف من حفيف الشجر اتجاه الرياح، ومن بشرته سطوع الشمس، وغيابها خلف السحب، ثم استخدم الراديو، فكان يضبط صوته ويتركه بجوار بحر أو شجرة أو نهر ويذهب بعيدا على مراحل، ليحدد المسافة بينه وبين الصوت.. ومن هنا أطلق تعبير «تكنولوجيا الحواس»، والتي تندمج فيها الحواس والأحاسيس ليعاش كل ما يشاهده بالبصيرة لا البصر، فكانت صورة مبصرة تعج بالحركة، وبالفن والحياة.

الناقد التشكيلي محمد سليمة كتب في الأهرام: استطاع نزيه بالإصرار والعزيمة أن يصبح أول مكفوف في العالم يصور وبإعجاز ويرسم لنفسه طريقا ويحقق إعجازا من خلال تصويره للأشياء وللناس وللطبيعة، فحقق في هذا المجال دورا رائدا، ليطوع سمعه وإحساسه وتلامسه مع الأشياء، محققا أعلى درجة شعور بما حوله، ليصوغ بسمعه هذا الإعجاز، الذي تحقق ما بين القاهرة وأسوان والإسكندرية والريف المصري ليحقق الفنان داخل نزيه حلم حياته، وأصبح نزيه رزق إحدى المعجزات وسموه في أمريكا «رائد المكفوفين في العالم».

وتجول نزيه في أمريكا وولاياتها وحصل على مفتاح هذه الولايات تقديرا له ولفنه المعجزة، وأصبح حديث الصحف التي تابعت أخباره ومعارضه في العديد من الولايات الأمريكية بعد أن أخضعوه للعديد من الكشوفات الطبية التي أكدت كف بصره وتوافدت عليه الدعوات وأقام معرضا في لندن أثيرت حوله العديد من الأحاديث إشارة إلى هذه المعجزة القادمة من شبرا.. القاهرة، وإزاء هذه التجارب وما بين ندوات ومحاضرات عاشها في أميركا ومختلف المدن الأوروبية، كان على هذا الفنان أن يقدم تجربته للناس في مختلف أنحاء العالم ليتأكدوا من هذه المعجزة وذلك الإعجاز الذي وهبه الله فأوقف وقته للكتابة عن هذه المعجزة ليقدمها لجماهير العالم.. محققا أن الإعجاز في مصر دائم من خلال هذه الأرض الطيبة.

وكان على الفنان أن يقدم هذه التجربة في كتاب ليطلع الجميع على هذا المشوار وجاء من أمريكا والتقى برجل الأعمال نجيب ساويرس الذي أشاد بهذه التجربة ورحب بدعمها حتى يتسنى للعالم التعرف على هذا الفنان الكفيف المعجزة، وتوجه بالكتاب إلى المطابع المصرية لتصور وتؤكد هذا الحدث الفريد.
الجريدة الرسمية