الرغي العام!
لا شك أن فيس بوك الآن أصبح مرضا خطيرا وأعراضه مُعدية، حيث تظهر الأعراض في شكل رأي مكتوب أو تعيير ساخر على صفحة أحد الحكماء بخصوص حدث أو موقف أو موضوع، وبمجرد الاطلاع على أي من هذه الأعراض من حكماء آخرين، تنتقل العدوى ويقومون بكتابتها على صفحاتهم مع تحريف بسيط أو حتى إخراج مختلف وهكذا، إلى أن يصبح السواد الأعظم من حكماء فيس بوك وما أكثرهم لا يتحدثون في شيء غير هذا الموضوع، حيث يتحول إلى رغي عام!
والشاهد أن خلال الفترة الماضية تعرضنا لرغي عام في كثير من الأحداث والحقيقة كلها أحداث تافهة من وجهة نظري، ولا تعبر سوى عن انخفاض المناعة المجتمعية وهشاشة الحالة النفسية وسوء التغذية الذهنية، الأمر أصبح معه الحديث في أي شيء عديم القيمة، يستطيع أن يخلق صدى مجتمعيا خطيرا ومُعديا!
نبدأ من الأسطورة "محمد رمضان"، وعن نفسي أرى "محمد رمضان" شخصا محدود الإمكانيات، ولكن ذلك لا يعني إنكار حقيقة هامة أنه ظاهرة عالمية موجودة في أكبر دول العالم مثل أمريكا وإنجلترا، أي أنها ظاهرة مستوردة وليست إنتاجا مصريا، وعلى الرغم من ذلك لَم نر هذا الرغي العام عنهم، وبالفعل لا بد أن أعترف بأن "محمد رمضان" مقبول من ملايين غيري وَمن قبله اليوتيوبر "أحمد حسن" و"زينب" ومثلهم في العالم الكثير، بل أقل منهم نجاحا بمقياس عدد المتابعين على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي والذي تجاوز ٣ ملايين متابع مع "أحمد حسن"و"زينب"!
لم يتوقف الرغي العام عند هؤلاء بل طال من كان بالأمس فخر العرب، "محمد صلاح" ورغي لا ينقطع عن حديثه مع محطة تليفزيون BBC وطريقة جلسته الإنجليزية ومن قبله حديثه عن الثقافة الذهنية الذي سخر منه الصغير والكبير، مع كثير من التطاول والتجاوز، ولا يخفى على أحد الرغي غير المحدود الذي ارتبط ب"عمرو وردة" وحكايات التحرش، ومن قبله "خالد يوسف" وحكاياته، ومن قبلهم ومن قبلهم ومن قبلهم حدث ولا حرج، ومن بعدهم مازالت الأيام بيننا إذا كان في العمر بقية!
هذا المشهد الساخر المَرضي المُعدي أسبابه كثيرة ومتعددة ولكنها للأسف لا تحمل في قائمتها كون مجتمعنا مثقفا أو متدينا بطبعه، أو مُحافظا أو سَميعا أو لديه ذوق مُعقم لا يجب تلويثه، أو تتحكم في معتقداته الفضيلة والبعد عن الرذيلة، وأكثرنا ملائكة لم ولن نرتكب ذنبا في حياتنا، ولكن الأسباب الحقيقة هي واحدة أو أكثر من الأسباب التالية مع الأخذ في الاعتبار أني لا أقصد في مقالي الدفاع عن أي شخص من هؤلاء السابق ذكرهم على سبيل المثال أو غيرهم:
1- ويأتي الحقد وعدم الرضا والحسد على قائمة الأسباب، حيث يرى الشخص ما في يد غيره كثيرا عليه، ولا يستحقه وأنه هو الأكثر استحقاقا بذلك بما يملكه من تعليم أو أخلاق أو أي أوهام، ولكنه الحظ أو المجتمع عديم الذوق، فاقد بوصلة التقدير، مثل حالة "محمد رمضان"، وهي حالة تُمثل ذكاء شديد من "محمد رمضان" أو من يُخطط له، فمن وجهة نظري الشخصية ناجح جدا، وحضور ١٥٠ ألف شخص لحفلته في الساحل دليل على ذلك..
أما وصف حضور الحفل بأنهم عديمي الذوق هو درب من اللهو، ليس لأنهم غير ذلك ولكن لأن ذلك التقييم ليس من شأن أي أحد! وهذا أيضا هو السبب بالنسبة لـ"أحمد حسن" و"زينيب" وخاصة بعد أن أعلنوا أن دخلهم الشهري يتجاوز ٧٠ ألف دولار من الإعلانات، ويأتي معهم أيضا فخر العرب "محمد صلاح" عندما يُسجل عليه أي تدني في مستواه الرياضي أو إذا كان له تصريح أو جلسة يراها البعض غير مناسبة، مما يتسبب في إثارة مستقبلات الحسد الكامنة ضد "محمد صلاح"!
٢-ثم ارتداء ثوب الفضيلة وتصدير مشهد حَملة المسابح واتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظاهره شيء محمود، ولكنه إذا كان على جثة آخرين عن طريق التشهير بهم ومحاولة زيادة رقعة فضيحتهم فإن ذلك هو عين النفاق والخداع والكذب، وللأسف هذه المرة مع الله وليس مع عباد الله، ونسي كل منهم أن الستر والستر فقط هو من وضعهم في مكان الفضيلة دون أن يكون لهم بها أدنى صلة وفضح غيرهم، ونرى ذلك بوضوح في موقف هؤلاء من أفلام خالد يوسف المُسربة وفضيحة "عمرو وردة" كما اطلقوا عليها!
٣- وأعتقد أن أهم الأسباب هي الخلل النفسي وعدم الاتزان السلوكي في عالم "البحث عن فضيحة"، وهو ما يدفع الكثير إلى مشاركة أخبار غرضها التشهير والفضيحة دون أدنى تفكير في التدقيق في صحة الخبر قبل نشره أو حتى تجنب المشاركة في عمل من شأنه حدوث فتنة في المجتمع أو مصيبة مجتمعية لعائلات كاملة! وأخيرا يبدو أننا تركنا كل ما هو هام وتفرغنا في الرغي العام!