هكذا يتم ابتزاز لاجئين في ألمانيا بأهاليهم الرهائن في ليبيا
تقوم عصابات في دول مثل ليبيا باحتجاز مهاجرين كرهائن، ثم تطالب أهاليهم المقيمين في أوروبا بدفع فدية من أجل إطلاق سراحهم. مجلة شبيجل الألمانية كشفت عن "تجارة ابتزاز ضخمة" في ليبيا.
كانت السابعة والنصف صباحًا عندما تلقى هارون رسالة على هاتفه المحمول تقول له: "اتصل بي، فأخوك عندي". وعندما اتصل اللاجئ الإريتري المقيم في مدينة كولونيا الألمانية بالرقم الليبيّ، تبين له أن أخاه الأصغر يونس مخطوف في ليبيا، وأن مُرسل الرسالة الأولى ليس سوى الخاطف الذي طلب منه خلال المكالمة أن يرسل لهم 7 آلاف دولار، مهددًا بقتل يونس إن لم يفعل ما يطلب. قصة هارون وأخيه كشفتها مجلة شبيجل الألمانية.
وبحسب المجلة التي تحدثت إلى هارون (26 عامًا)، فإن تلك المكالمة أثرت على اللاجئ الذي يعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات ونصف، حتى أنه رسب في امتحان اللغة الألمانية، وسبب ذلك هو أن هارون عاش بنفسه في معتقلات إيواء اللاجئين في ليبيا لأسابيع ويعرف الظروف فيها. يقول اللاجئ الإريتري: "حاولت إقناعه بألا يأتي عبر ليبيا"، ويضيف: "من الأفضل أن يموت المرء في البحر المتوسط على أن يكون في ليبيا".
"تجارة ابتزاز ضخمة"
قصة هارون وأخيه ليست سوى واحدة من العديد من القصص المماثلة، حسبما تقول منظمات دولية. ورغم عدم وجود أرقام رسمية، إلا أن منظمة العفو الدولية تؤكد ازدياد حالات ابتزاز أهالي اللاجئين في بعض الدول، في السنوات القليلة الماضية.
وتعرف "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للبلدان" عشرات الحالات المشابهة، وتتحدث عن "تجارة ابتزاز ضخمة في ليبيا".
ويقول مارك ميكاليف من المبادرة لمجلة دير شبيجل إن الأشخاص الذين يبتزون اللاجئين هم مهربون منظَّمون ومجموعات محلية متخصصة في الاختطاف، مشيرًا إلى أنه يتم احتجاز الضحايا في مستودعات أو أقبية وتتم إساءة معاملتهم.
وهذا ما حصل مع يونس، حيث أن الخاطفين كانوا يتصلون بأخيه هارون ويجعلونه يسمع آهات أخيه وهم يعذبونه بالصعق الكهربائي. وكان يونس قد وصل إلى ليبيا عبر شبكة تهريب عبر مصر. ورغم أن المهربين وعدوه بإيصاله إلى إيطاليا بعد أن دفع لهم 5 آلاف دولار، إلا أنهم باعوه إلى أشخاص آخرين، بعد أن حصلوا على النقود.
"نوع جديد من الاستغلال"
وترى الخبيرة في جامعة تيلبورج الهولندية ميريام فان رايزن أن ابتزاز الناس وتهديدهم بقتل أهاليهم المهاجرين للحصول على فدية هو "نوع جديد من الاستغلال"، مشيرة لمجلة دير شبيجل أن هذا النوع ظهر بشكل خاص بين عامي 2009 و2014 في شبه جزيرة سيناء في مصر، عندما تم احتجاز "آلاف" المهاجرين الأفارقة كرهائن في معسكرات وتعذيبهم، وطلب مبالغ تصل إلى 50 ألف دولار عن كل رهينة من الأهالي.
وتضيف الخبيرة: "الاتجار بالبشر قبل ذلك الوقت كان يتم لأغراض: الإكراه على ممارسة الدعارة والعمل الإجباري أو لتجارة الأعضاء، لكن ليس للحصول على فدية".
وبحسب منظمة العفو الدولية فإن الابتزاز يتم في معتقلات إيواء اللاجئين أيضًا، من قبل جنود ليبيين "فاسدين" يسعون لكسب المال. وتتهم المنظمة الاتحاد الأوروبي بتحمل جزء من المسئولية، لأنه يدعم حرس الحدود الليبي من أجل إبقاء المهاجرين في ليبيا.
صعوبة القبض على الخاطفين
وتشير ميريام فان رايزن إلى صعوبة مكافحة هذا النوع من الابتزاز، وتتابع: "المجرمون والأشخاص يتم ابتزازهم يكونون في مناطق مختلفة، ولذلك فإن الشرطة غير مهيئة لمثل هذه الحالات".
وبعد نحو تسع أشهر من المكالمة التي تلقاها هارون، توجه إلى كنيسة في كولونيا طلبًا للمساعدة. هناك التقى بالقس في الكنيسة اللوثرية هانز مورتر، والذي يعرف بمساعدته للاجئين في المدينة، حيث أسس قبل خمس سنوات مجموعة للترحيب باللاجئين ومساعدتهم، كما ذكرت صحيفة "دير شبيجل".
وقال القس للمجلة إنه ساعد حتى الآن على إنقاذ 20 شخصًا من أيدي مختطفيهم، غالبيتهم في ليبيا، وبعضهم في السودان.
وأضاف مورتر إلى أنه أرسل بعض اللاجئين الذين تم ابتزازهم إلى الشرطة من أجل الإبلاغ عن المختطفين، مشيرًا إلى أن الشرطة أكدت بأنها ليست مسئولة عن مثل هذه الحالات لأن المخطوفين ليسوا مواطنين ألمان.
في مخيم اعتقال
وبمساعدة القس الألماني، تمكن هارون من تأمين 5 آلاف دولار، وتفاوض مع الخاطفين من أجل خفض الفدية إلى هذا المبلغ، كما كشفت دير شبيجل، مشيرة إلى أن الخاطفين وافقوا على ذلك، وتم إرسال المبلغ وتسلميه لشخصين في الخرطوم، عاصمة السودان.
وبعد مرور شهر، تلقّى هارون مكالمة من أخيه يونس يقول فيها إنه في معسكر لإيواء اللاجئين في ليبيا، مضيفًا أنه يقيم مع 200 شخص في غرفة واحدة ويتقاسم الهاتف المحمول الذي يتصل به مع 50 شخصًا من أجل أن يتواصلوا مع أقاربهم، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنهم يتعرضون للضرب، حسبما ذكرت "دير شبيجل".
وأكد يونس لأخيه هارون: "طالما أنني في ليبيا فإن الخوف لن ينتهي". ويستمر هارون بإرسال المال لأخيه من أجل أن يستطيع شراء الطعام ورصيد الهاتف المحمول. والأهم بالنسبة للاجئ الإريتري الآن هو "الخلاص من هذا الكابوس".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل