رئيس التحرير
عصام كامل

جمال الغيطاني يكتب: إمامنا.. نجيب محفوظ

فيتو

في عدد خاص أصدرته وزارة الثقافة عن الأديب الكبير نجيب محفوظ بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في الأدب كتب الأديب جمال الغيطانى (رحل عام 2015) مقالا قال فيه:


لا أدرى موقع هذا اليوم بين الأيام.. ربما كان في عام 1960 وكان يوم جمعة، كنت أقف في شارع عبد الخالق ثروت في مواجهة مبنى الأوبرا الذي احترق فيما بعد.. عندما وقعت عيناى على نجيب محفوظ لأول مرة.

كان قادما من ميدان العتبة متجها إلى كازينو الأوبرا حيث ندوته الأسبوعية التي بدأت تنعقد منذ الأربعينيات، ولم أكن أعرفه معرفة شخصية بعد، تقدمت منه وجلا وقدمت نفسى فدعانى إلى ندوة الأوبرا التي بدأت أتردد عليها بعد ذلك، وكنت أقعد صامتا أصغى إلى المناقشات التي كانت ذات طابع أدبي ومن خلال الندوة تعرفت على أصدقاء أصبحوا رفاقا حميمين فيما بعد نجيب محفوظ إلى حى الدقى فوق كوبرى قصر النيل فقابلته أيضا من مصر القديمة حيث اسكن وحيث عاش.

كنت أعمل في إحدى المؤسسات بحى الدقى وكنت أمشى من مصر القديمة حيث كنت أسكن وحيث عاش نجيب محفوظ إلى الحى الأنيق فوق كوبرى قصر النيل.

كان في الواحد والخمسين وكان يعمل مستشارا ثقافيا لمؤسسة السينما ومكتبه بمبنى التليفزيون..وهذه رحلته اليومية يحمل صحف الصباح، فبدأت اصطحبه مسافة قصيرة لأن اتجاهى كان معاكسا.

قدمت إليه مرة مجلة الأديب البيروتية التي كان يصدرها ألبير أديب وفيها نشرت أول قصة لى في يوليو 1963، في اليوم التالي قال إنه قرأها وذكر لى ملاحظاته، ودارت الأيام وفى حفل لحصوله على نوبل قال لى فاكر كوبرى قصر النيل؟

عندما اقتحم الصحفيون منزله إثر إعلان حصوله على نوبل لفت نظر أحدهم أن مكتبه يحمل صفين من الكتب.. صف من كتب الأدباء الشباب مهداة إليه، رصها بعناية شديدة، والصف الآخر كله كتب نحو ومؤلفات في اللغة العربية وقاموس لسان العرب، وعندما سأله صحفى: هل ما زلت تحتاج إلى قواميس اللغة؟

أجاب بدهشة: وهل هناك أديب يهمل لغته؟

كان وما زال يهتم بكل موهبة تلوح في الأفق، يبدى النصح والتوجيه ويشيد بالعمل الجيد ولم أشعر يوما أنه يكن غيرة لأحد كبر أو صغر، داخله إحساس فياض بالأبوة وهذا ما جعله يتغاضى عن إساءات كثيرة لقيها من كبار وصغار.

منه تعلمت أن الأدب مجاهدة تماما كالتصوف مما يحتاج إلى تنظيم حديدى للوقت ومعايشة عملية للناس.

منه تعلمت أن أخصص ساعات يومية للكتابة طبعا مع القيام بطقوس خاصة يحتاج إليها الكاتب، والتي تختلف من شخص إلى آخر مثل الاستماع إلى الموسيقى، الكتابة مبكرا النوم مبكرا، شرب القهوة تدخين السجائر وهكذا.

في منتصف الستينيات توطدت العلاقة بينى وبين الأستاذ، دعانى مع الصديقين يوسف القعيد وعبد الرحمن أبو عوف إلى لقائه الأسبوعى بأصدقائه القدامى وكان يتم مساء كل خميس بمقهى عرابى بالعباسية، وهناك اقتربنا منه، رأيناه أكثر تبسطا وتلقائية مع أصدقاء طفولته.
الجريدة الرسمية