مكاشفة.. وشجن.. ونكد!
في حلقة نقاشية دون سابق موعد ولا ترتيب، دار الحوار على مقهى شعبي فقير، يقدم كوب الشاي العادي بجنيه، والسوبر "بفتلة" بجنيه ونصف، يبدو أنه فرق الفتلة!
ضمت الحلقة أطيافًا متباينة الدخل والثقافة والحيثية الاجتماعية.. كانت خريطة مصغرة للواقع السياسي العام في البلد.
فيها بالطبع من هو مؤيد للإخوان، ومن هو مع التيار المدني بكل ألوانه، والفلولي القديم، ومن هو مع الانتظار والتماس العذر للنظام حتى تتضح ملامح الصورة، فيها أيضًا من كان مع نفسه.
أطروحات الحوار في مجملها الظاهر مكررة، لكنها على أي حال دليل حيوية العقل الجمعي للأمة، الذي ما زال على توهجه منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير.
أحد المتحاورين خصَّني بسؤال استنكاري، أبدى فيه دهشته من كتاباتي الداعية للتهدئة، والتي اعتبرها ــ من وجهة نظره ــ تصب في مصلحة النظام.. وزاد من دهشته أن ما أكتبه ينشر في جريدة تناصب النظام والإخوان العداء بلا حدود، ويقصد جريدة "فيتو".
قلت له موضِّحًا: إن الكتابة بـ"فيتو" لا تنطلق من علاقة تقاطع، بل من علاقة توافق.. ذلك أنها جريدة ليبرالية بكل ما تعنيه الكلمة، كتب فيها القيادي الإخواني البارز جمال حشمت، بجانب أحد ألد خصوم الإخوان ثروت الخرباوي؛ المنشق عنهم، ويكتب فيها القطب الشيعي أحمد راسم النفيس، فضلًا عن كتابات عديدة لكوكبة من الكتاب يمثلون كل ألوان الطيف السياسي.. زد على كل ذلك أن الجريدة تلهب ظهور أصحاب نفس التوجه الذي تتبناه بسياط النقد المؤلم ( راجع وتابع ما يكتب في صفحة "الرأي وملعون أبو الرأي الآخر").
انتهيت من الرد، وبقي ما أود أن أسجله عن حالة الجدل.. وهو برغم أنني في خندق التراشق بالجدل ونبذ العنف، إلا أنني ــ وكغيري كثيرين ــ بدأت أضيق ذرعًا بدوامات الجدل الذي يبدو أنه لن ينتهي، سيما أنه دلف إلى دائرة الجدل البيزنطي، الذي أدخل أهل بيزنطة في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، في دوامات جدل حول طبيعة السيد المسيح، وانتهت إلى تشرذم وفُرقة وحروب..
وتذكرت أيضًا نصًّا كلاسيكيّا عن بيزنطة يقول: "أسوار مدينتهم تحترق، وعما قليل ستسقط كل مدينتهم، وتحتل كل ديارهم، ويقتل جنودهم، وهم مشغولون، يتجادلون جدالًا لم ينته، يدورون في حلقات مفرغة، ويعودون من حيث بدءوا بطرح السؤال، ولم يصلوا إلى رأي، ومن بعدها تقاتلوا، ولم يفيقوا إلا بعد أن أدركهم أعداؤهم وتمكنوا منهم".
أظن أنني أوصلت الرسالة.. وعلى أي حال كانت ليلة جميلة، بدأت بالمكاشفة ثم الشجن.. وانتهت بالنكد، بعد أن خلع الجميع واحدًا تلو الآخر، وتكبدت حساب الشاي، وكان كله سوبر بفتلة، بجنيه ونُص "الكوباية"!