تحريف القرآن الكريم عبر "100 سنة سينما"
عندما عبثَ "محمد سعد" بإحدى أغانى "أم كلثوم" في فيلم "الليمبى"، قامت قيامة النقاد الفنيين، وتبارى كلٌّ منهم في الهجوم على صُنَّاع الفيلم، لأنهم حرَّفوا كلمات واحدة من أغانى "كوكب الشرق"، ولكن عندما يتعلق الأمر بتحريف القرآن الكريم، فإنهم يبتلعون ألسنتهم، ويغمدون أقلامهم، وكأنَّ شيئًا لم يحدث!!
في فيلم "بنات الليل"، الذي أنتجته السينما المصرية العام 1955، ينصح الفنان الراحل "حسين رياض"، بطلة الفيلم "مديحة يسرى" قائلًا بكل ثقة واقتدار: يا هانم.. يقولُ اللهُ في كتابهِ العزيز: "الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمهات"!! وهذه الجملة المأثورة لا علاقة لها بكتاب الله، ولا بكلام الرسول الكريم، ما يعنى أنها ليست قرآنًا ولا حديثًا صحيحًا.
ورغم مرور 64 عامًا على إنتاج الفيلم الذي أخرجه "حسن الإمام"، إلا إنه لا يزال يُعرض حتى الآن بهذا الخطأ، ولم تكلف أية جهة معنية نفسها عناء حذف هذا المشهد أو تصويب الخطأ، وهو أمرٌ ليس صعبًا من الناحية التقنية والفنية.
هذه الواقعة ليستْ استثناءً، بل تكررت على نطاق واسع، في عدد كبير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية. والمؤسفُ.. أنَّ صُناع تلك الأعمال ينتمون غالبًا إلى نجوم الصف الأول، ويتصدرون المشهد، سواء على صعيد الكتابة أو التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج.
المؤلف الكبير "وحيد حامد".. يُعتبر صاحب نصيب الأسد في هذه النوعية من الأعمال التي تعاملت مع كتاب الله بتهاون وإهمال شديدين، سواء على صعيد السينما أو التليفزيون. ففى فيلمه "النوم في العسل"، الذي تم إنتاجه في منتصف التسعينيات، ظهر الممثل الراحل "نظيم شعراوى" في أحد مشاهده وهو يردد: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، رغم أن الآية القرآنية تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا".
الأمر نفسه امتد إلى مسلسل "الجماعة" بجزءيه الأول والثانى، حيث لم تخلُ حلقة واحدة من تحريف لآيات الله، مثل المشهد الذي ظهر فيه الممثل "محمود الجندى" مُحرِّفًا قوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" إلى: "خذ العفو وأْمُر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين".
وفى الحلقة ذاتها.. حرَّف أحد الممثلين قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ"، لتكون: "الحمد لله الذي هدانا إلى هذا.."!!
في فيلم "زوج تحت الطلب"، الذي كتبه "على سالم"، وأخرجه "عادل صادق" في العام 1985، ظلَّ المأذون، الذي جسَّد دوره الممثل "عثمان عبد المنعم" يردد طوال أحدث الفيلم، جملة: "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق"، باعتبارها آية قرآنية، رغم أنها ليست قرآنًا أو حديثًا. وهذا خطأ كثير التكرار في عديد من الأعمال الفنية، وفى البرامج التليفزيونية التي تتصدى لظاهرة الطلاق!
وتظل هذه الخطايا المؤسفة مستمرة، عبر تاريخ السينما المصرية، حتى نصل إلى فيلم "الضيف"، الذي تم إنتاجه العام الماضى، حيث حفل بأكبر قدر من تحريف الآيات القرآنية، رغم أن قصة الفيلم تدور حول شخصية منفتحة على الثقافة الإسلامية، فضلًا عن أن مؤلف الفيلم يقدم نفسه باعتباره المثقف الموسوعى في كل شيء!
وعلى ذِكر "الفنانين المثقفين"، فإن الفنان الكبير "محمود مرسي" وقع في هذا الفخ في مسلسل "أبو العلا البشرى"، عندما قال في إحدى الحلقات: "إن الله يغفر الذنوب جميعا ولو كانت مثل زبد البحر"!! باعتبارها آية قرآنية، وهذا ليس قرآنًا، ولكن خليطًا بين آية قرآنية وحديث قدسى، رغم أن مؤلف المسلسل "أسامة أنور عكاشة" يُنظر إليه باعتباره واحدًا من أبرز نجوم الكتابة في الدراما المصرية على مرِّ تاريخها.
المسلسلات التاريخية الدينية لم تخلُ من هذه التجاوزات بحق كتاب الله، بل إن أخطاءها أكثر من أن يتم إحصاؤها في هذه السطور القليلة، ولا ينبغى التهوين من شأنها، أو التعامل معها باعتبارها أخطاء غير مقصودة، وجلَّ من لا يخطئ!
واخيرًا.. نحن بصدد قضية خطيرة، حتى وإن تغافلت الجهات المختصة وذات الصلة بها عنها، وتعاملت معها باستعلاء، ويجب أن يتم تشكيل لجنة مختصة لحصر هذه الأخطاء وتصويبها أو حذفها؛ واتخاذ تدابير جادة لمنع تكرارها في الأعمال الجديدة، لأن التغافل عنها جريمة لا تُغتفر بحق كتاب الله، لا سيما أن هذه الأعمال دائمة العرض عبر الفضائيات السينمائية والدرامية.. فهل أنتم فاعلون؟!