قوة الكيانات الاستشارية ترجئ قانون الأسرة
أقر البرلمان خلال دور الانعقاد الرابع نحو ١٥٦ قانونا قدمتها الحكومة والأعضاء؛ وأرجأ تشريعات أخرى حتى عودته للعمل في أكتوبر المقبل.
ترك النواب المجتمع في حالة من الصراع والاحتقان والعنف المتزايد؛ ووقفوا مقام المتفرج أمام مطالب بتمرير قانون عادل للأحوال الشخصية والأسرة؛ يضبط المعادلة الصعبة في حسبة الأمن القومي المصري، رغم تمريرهم برنامج الحكومة وموازنتها؛ والتعديلات الدستورية؛ وقوانين الاستثمار وتملك الأجانب؛ واكتساب الجنسية المصرية، بينما صمتوا أمام نداءات الملايين ومعاناتهم بسبب تغييب حق الرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق بين والديهم دون تمييز أو استبعاد.
باشر البرلمان دورا تشريعيا مفرطا لتغيير هوية الاقتصاد المصري ليصبح "مفتوحا"؛ من وجهة نظره؛ وطبقا للدستور، وتراخى عن دوره في تفعيل الدستور والالتزام بالمواثيق الدولية بخصوص سن قانون يحمى استقرار الأسرة المصرية ويصون هوية عائلية لطفل مصري يحيا بين أبويه وأهليتهما.
صمت نواب البرلمان بتكتلاتهم المتنوعة؛ عدا النابغ منهم؛ أمام تغول جهات استشارية؛ حينما حضرت سيرة مشروع قانون الأحوال الشخصية، ولم تنته من مناقشته اللجنة التشريعية متعللة بعدم ورود آراء تلك الجهات؛ التي بدت مزاحمة له على دوره التشريعي؛ لتعلن كل جهة أنها تعد مشروع قانون خاصا على طريقتها، ونجد مشايخ وناشطات مجالس ومنظمات أعلى صوتا من النواب ذاتهم؛ وربما قدموا أنفسهم للمواطنين كأكثر دراية وأحق بالتشريع.
زايد منتمون لجهات استشارية عديدة على دور البرلمان وصمته؛ وتفننوا في التعامل مع أطراف معنية بتطبيق القانون ذاته؛ تارة بالإعلان عن دورات تدريبية أو تثقيفية لها؛ وتارة بتصدير آراء شخصية، ونجد كياناتهم بمرور الوقت تتجاهل المؤسسة التشريعية ذاتها متى حضرت سيرة هذا القانون تحديدا؛ أو استعجل المجلس رأيها بشأنه.
تناسى نواب وتجاهلوا كافة الإحصائيات الرسمية المؤكدة على تزايد حالات الطلاق والشقاق وتراجع عقود الزواج؛ وتنامى ظاهرة اللجوء المتكرر للقضاء بدعاوى منفصلة في كل كبيرة وصغيرة؛ بشكل ضغط على أهل البيوت الخربة واختزن منها لدواوين المحاكم وأربابها الملايين والمليارات، ليزيد التطاحن المجتمعي وتمتلئ صفحات الحوادث كل ساعة بجرائم أغلب أطرافها من الأسرة الواحدة.
لم يفكر نائب في تقديم أي التماس أو طلب إحاطة لمسئول حول خلفية اجتماعية لمتهمين أو مدانين في جرائم الإرهاب؛ وتبيان إذا ما كانوا من أبناء الشقاق أم لا.
أعتقد أن كثيرين فكروا في أصوات الناخبين والناخبات وحسابات الترضية المجتمعية وحملات جماعات الضغط والمصالح ومجالسها ومنظماتها؛ قبل أن يتخذوا قرارا بإرجاء مناقشة قانون جديد يضمن حقوق الطفل والمرأة والرجل دون سلب مكتسبات لطرف على حساب الآخرين، وأراد هؤلاء دخول موسم انتخابات البرلمان بعد أقل من عام من الآن دون خصومة مع أحد، لنتوقع دور انعقاد خامس يمتاز بالطبطبة والتهدئة والمهادنة والموائمات.
البرلمان صاحب مهمة التشريع؛ والرقابة أيضا؛ أراد نوابه لأصوات أن تعلو مطالبة رئيس الجمهورية ذاته بتقديم مشروع قانون للأحوال الشخصية والأسرة؛ وتصدير الأزمة في غير موضعها واختلاق أجواء غير ملائمة لحوار حول المستقبل، أو ربما ترك الأمر إلى ما بعد انتهاء دورتهم كاملة وانتخاب برلمان جديد؛ يتوقع أن تحصد النساء فيه نسبة مقاعد أكبر من أية تكتلات؛ بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة، وبالتالى تحسم التشريعات الاجتماعية على طريقة تكتلهن.
التشريع مهمة وأمانة؛ وليس نزهة يقضى معها من ذهبنا إلى الصناديق لانتخابهم؛ أياما وسنوات في تجاهل آلامنا، ثم يطلبون منا مجددا العودة إلى طوابير اللجان لإعادة انتخابهم، وهم أضعف من مواجهة كيانات "استشارية"؛ من غير المنطقي أن تتعطل حقوق المصريين أو تتوقف عند آراء أو رغبات وهوى القائمين عليها، أو ارتضوا لأنفسهم دور المستضعف أمامها.
هناك شريحة واسعة من الناخبين ستتشكل وجهة نظرها خلال عملية التصويت لاختيار نواب البرلمان القادم؛ بناء على مدى إلتزامهم بحقوقها الاجتماعية والدفاع عنها؛ وأبسطها ضمان قانون عادل لأسرة مستقرة؛ ومشروع زواج لا تضربه تشريعات بالية تفرض حالة الصراع المجتمعى الحالية وتزيده اشتعالا.