لماذا تعد انتخابات شرق ألمانيا مهمة؟
تحبس كل ألمانيا أنفاسها بانتظار الانتخابات المقبلة في ساكسونيا وبراندنبورغ، وهما ولايتان كانتا تابعتين لألمانيا الشرقية السابقة، حزب "البديل من أجل ألمانيا" يحقق أداءً قويًا، وقد تكون النتائج تاريخية.
ومع اقتراب شهر أغسطس من نهايته، تتجه كل الأنظار في ألمانيا إلى الشرق: ففي الأول من سبتمبر تصوّت ولايتا ساكسونيا وبراندنبورغ في انتخابات برلمانية طال انتظارها، وستحدد نتائجها حكومتا الولايتين لسنوات خمس مقبلة، وقد تكون لها تداعيات على المستوى الاتحادي بما يشكل منعطفًا في التاريخ السياسي لهاتين الولايتين في مرحلة ما بعد الوحدة. وبعد شهر من هذا الحدث، ستذهب ولاية تورنغن إلى انتخابات مماثلة.
والسؤال هو: لماذا تكتسب الانتخابات في هذه الولايات أهمية خاصة في ألمانيا؟ فيما يلي الإجابات:
1. بإمكان حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد أن يصنع التاريخ
حزب "البديل" اليميني المتشدد ليس ظاهرة حصرية في ألمانيا الشرقية سابقًا، فهو اليوم حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، وله ممثلون عن كل ولاية في البرلمان.
وعلى كل حال، فإنّ الحزب، ذا القيادة المتشددة، يحظى بدعم ملحوظ في شرق ألمانيا، فرغم أن نسبة تأييده وطنيًا تصل إلى 13 في المائة، إلا أنه يحصد حاليًا 25 في المائة من الأصوات في ساكسونيا، و21 في المائة في براندنبورغ، ما يجعله متصدرًا بعدد الأصوات الداعمة، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى موقفه المناهض للهجرة.
كثير من الناخبين في شرق ألمانيا ينتقدون سياسة الهجرة التي تتبناها المستشارة أنجيلا ميركل، وقد أظهرت الانتخابات الأخيرة أن الهجرة وسياسات منح اللجوء هي المواضيع التي تحدد توجهات الناخبين في ساكسونيا.
فإذا ظهر حزب "البديل" كأقوى حزب في هذه الولايات، فإنّها ستكون المرة الأولى في عمر هذا الحزب - الذي لا يتجاوز ست سنوات - والمرة الأولى في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية التي يحرز فيها حزب يميني متشدد فوزًا انتخابيًا على مستوى ولاية. كما أنه سيدعم زخم الحزب قبل انتخابات أكتوبر في توررنجن، موطن بيورن هُكه، أحد أكثر قادة الحزب الديمقراطي تطرفًا.
2. حزب اليسار عند منعطف طرق
تورنجن هي الولاية الوحيدة التي تقودها حكومة من حزب اليسار في تاريخ ألمانيا. وباعتباره الوريث الوحيد لحزب الاتحاد الاشتراكي (SED)، الذي حكم ألمانيا الشرقية سابقًا، فقد حقق اليسار أحسن أداء مستفيدًا من جذوره التاريخية، واليوم يعرف حزب اليسار باعتباره حزب الجماهير في شرق ألمانيا، علاوة على تعريفه كحزب للاحتجاج، لكن مستوى الدعم الذي يحظى به في هذا الجزء بدأ يتناقص خلال العقد الماضي.
وخلال حملات الولايات الانتخابية الحالية، يدّعي حزب البديل أنه وريث "المنعطف الحاسم" في ألمانيا، وهو وصف يشير إلى الانتقال السلمي إلى الديمقراطية خلال الوحدة، فاذا ظهرت هجرة ناخبي اليسار باتجاه حزب "البديل من أجل ألمانيا"، فستكون النتيجة أن يسحب الحزب اليميني المتشدد البساط من حزب اليسار باعتباره الحزب المناوئ للمؤسسة الحاكمة في ألمانيا.
3. هل بوسع الخضر تحقيق نتائج في بيئة صعبة تاريخيًا؟
الخضر يحلقون عاليًا على المستوى الوطني، تدعمهم في ذلك النتائج الباهرة التي حققوها في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المنصرم، لكن شرق ألمانيا، لاسيما براندبورغ وساكسونيا، حيث كان تعدين الفحم الحجري منذ فترة طويلة صناعة مهمة تاريخيًا، لم تكن قط مناطق صديقة للخضر. ورغم أن عدد العاملين في تعدين الفحم الحجري قد انخفض بشكل ملحوظ منذ الوحدة، فإنّ الناخبين، خاصة من تقدم بهم العمر ممن عاشوا مرحلة البطالة بسبب تقليص صناعات التعدين، لا يمكنهم بسهولة قبول طروحات الخضر بضرورة إنهاء الأنشطة المضرّة بالبيئة.
اعتمادًا على مستوى أداء باقي الأحزاب، يمكن للخضر أن يتخذوا دور "صنّاع الملوك" في برلمانات الولايات، وفي الحد الأدنى، ستكون النتائج بشائر خير لهم ولمستقبلهم في جميع أنحاء ألمانيا.
4. ماذا يمكن أن يعني التصويت لحكومة الائتلاف الذي تقوده أنغيلا ميركل؟
ستعني الكثير، فانتخابات الولايات ستكون بمثابة اختبار لقوتها الشاملة، إذ للطالما كانت براندنبورغ معقلًا للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وساكسونيا معقلًا لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ويتوقع أن يتلقى كلاهما ضربة قد تؤدي مع تداعياتها إلى انهيار الحكومة الائتلافية الوطنية. وسيعني هذا ضمنيًا إقامة انتخابات مبكرة. أما حزب ميركل، فبوسعه أن يشكل حكومة أقلية.
قادة الأحزاب على المستوى الاتحادي أعلنوا أنهم سيجرون تقييمًا لنصف فترة ولاية تحالفهم الهش منتصف تشرين أكتوبر المقبل، وقد تقنعهم النتائج الضعيفة للانتخابات بأن يدعو إلى إنهاء الائتلاف على مستوى الحكومة، على أمل أن تكون الهزة الناتجة عن ذلك قادرة على تحسين مستوى الدعم المتوقع لكل منهم.
5. ما هي النتيجة المحتملة إذا؟
فيما تبدو سباقات انتخابات الأول من سبتمبر المقبل أقرب من أن يمكن التنبؤ بنتائجها، فإنّ هناك نتيجة مؤكدة واحدة: تفاقم الانقسام السياسي. ويمكن ملاحظة هذا التوجه على المستويين الوطني والأوروبي، وبالتأكيد فإنّ براندنبورغ وساكسونيا لن تكونا استثناءً.
من المرجح أن يفشل الائتلاف القائم حاليًا في الولايات في استعادة الأغلبية التي تمتع بها حزبا الائتلاف، وبما أنّ كل الأحزاب المهيمنة على المشهد قد أعلنت أنها لن تعمل مع حزب "البديل"، فإنّ الوصول إلى ائتلاف يكفي للحكم قد يتطلب ثلاثة أو أربعة أحزاب، وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا، لاسيما إذا ظهر حزب "البديل" كأقوى الأحزاب في الولايات المذكورة.
سوف يتطلب الأمر تشكيلًا سياسيًا بطيف واسع مبني على تنازلات الجميع، آخذين بعين الاعتبار قيام شراكة غير مستقرة بسبب عاملي القوة والوقت، وهو موقف لا يحبذه الناخبون الألمان المتطلعون إلى الاستقرار.
ورغم حقيقة أن سكان الولايات الثلاث المشار إليها مجتمعة لا يشكلون أكثر من 10 في المائة من إجمالي مجموع السكان في ألمانيا، فإنّ هذه الانتخابات يمكن أن تثير عاصفة سياسية في البلد.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل