إنه بن لادن.. اغتيال "مبارك"!
حالة الإحباط التي انتابت "أسامة بن لادن" في السعودية أثناء حرب الخليج لم يكن سببها رفض مقترحه بأن يحارب هو ورجال نيابة عن الدولة السعودية، وهو ما رفضته الإدارة السعودية في قرار صائب، لكن أيضًا شعوره بأنه لم يعد له قيمة في مجتمعه، وفي هذا لا يلوم إلا نفسه، لأنه شعر أنه زعيم ويجب تنفيذ أوامره.
حالة الاحتكاك مع الإدارة السعودية دفعته أن يفضل هزيمة المسلمين على يد العرب، بدلًا من الانتصار بيد الكفار كما لخص ابنه "عمر بن لادن" حالته النفسية تلك الفترة، قبل أن يقرر السفر للسودان، وفي مسيرة "أسامة بن لادن" تبقى السودان هي الفترة الأخصب في حياته، ليس فقط بسبب طول مدة إقامته، لكن لكثير من الأسباب لعل أولها التعامل الذي حظى به.
تلك الحظوة التي يبدو عنوانها«المال» بين "أسامة" و"عمر البشير" رئيس السودان السابق والأخير تميز بعقد صفقات مع كل من يدفع، بدأت منذ وصولهم للمطار، تقول "نجوى بن لادن": «حين وصلت وخرجت من الطائرة وجدت زوجي مُحاطا بحراس أمنيين مدججين بالسلاح بالمنطقة، وتم تدبير كل شيء وبفضل نفوذ زوجي انتفت الحاجة إلى أن تعاني العائلة شكليات التدقيق في الجوازات والجمارك، وأحاطت عربات الأمن بقافلتنا، وتدبر "أسامة" 4 منازل في قرية الرياضة لعائلته ورجاله الذين يحموننا ويضمنون سلامتنا»
تكمل "نجوى بن لادن" عن تلك الفترة الذهبية في حياتها «أصبح لدى "أسامة" وقت أكبر لرعاية الأولاد، وبدا أكثر ارتياحا بالاهتمام بمشاريعه المهمة الكثيرة، فقد أجرى ترتيبات مع مسئولين كبار في الحكومة السودانية لبناء طرق ومصانع وأعمال متنوعة، بما فيها المزارع»
تلك الصورة توضح كيف عاش "أسامة بن لادن" برعاية رئاسية في السودان، وصلت حد إحاطته برجال أمن، وأصبح له جيش كبير وترسخ مفهوم الزعامة لديه، وربما عاش "أسامة بن لادن" متحسرًا على تلك الفترة التي لم يحظى بمثلها حتى في أفغانستان.
فترة الازدهار التي عاشها "أسامة بن لادن"، واختمار جيشه انتهت رغم علاقته القوية بـ"عمر البشير" و"حسن الترابي" الرجل القوى في السودان في تلك الفترة، ويقول "عمر بن لادن" عن قوة العلاقة بين أبيه والحكومة السودانية «كانت السعودية وحكومات إقليمية أخرى لا تريد وجود أبي في السودان، ولم يكن أبي يهتم في البداية بتلك الدعوات، فهو على ارتباط وثيق بالحكومة وأكبر أحزابها وكذلك بالرئيس "عمر البشير" وعلاقة قوية مع "حسن الترابي" الرجل القوى في السودان، ووفرت أعمال والدي منافع كبيرة جدا إلى درجة أنه اعتقد أن الحكومة السودانية لن تطرده أبدًا بغض النظر عن مدى الضغوط»
لكن تلك القوة لها حدود خاصة مع رجل مثل "عمر البشير" يُدرك جيدًا متي يضحى بحليفه، وقد حدث ذلك، ويقول "عمر بن لادن": «في 26 يونيو 1995 توجه الرئيس المصري "حسني مبارك" في موكب للمشاركة في إحدى القمم الأفريقية ، وكان متجها من المطار إلى أديس أبابا لما قطع مسلحون الطريق على الموكب، وأطلقوا النار على سيارة الرئيس المصري الليموزين..
فقتل اثنان من حراس "مبارك"، لكن سائق الرئيس كان ماهرا إلى درجة إنه دار بالسيارة في أرضها، وأسرع يطلب الأمان في المطار، منقذا راكبه الأكثر شهرة، وقتل اثنان من المهاجمين الستة في تبادل إطلاق النار، واستغرق التحقيق الذي تلى ذلك بعض الوقت، لكن المحققين تحروا أمر القتلة، وعرفوا أنهم يتبعون منظمة الجماعة الإسلامية التابعة لـ"عمر عبد الرحمن" وهم الرجال أنفسهم الذين يقيمون الآن في السودان، ويرتبطون ارتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة التابع لوالدي»
و«قد عمل هذا التنظيم على قلب نظام الحكم في مصر، وبعد تلك المحاولة انضمت جميع الحكومات تقريبا إلى جوقة القيام بأمر ما في شأن "أسامة بن لادن" لكن الأمر استغرق عاما، فتراكمت الضغوطات إلى أن أصبحت الحكومة السودانية وحدها في مواجهة جارتها، وشعرنا نحن أنفسنا بالضغوط، وبدا والدنا مغلوبا على أمره لم يتحدث مع أبنائه إلا أننا شاهدنا مسئولين حكوميين سودانيين مقطبي الوجوه يأتون ويذهبون..
وجاءت النهاية في ربيع 1996 عندما جلسنا جميعا بحزن في حجرة أمي ودخل علينا والدي وقال بصوت هادئ : إنه مسافر في الغد وسآخذ ابني "عمر" معي، ونظرنا جميعا كمن التبس علينا الأمر وتسارعت الأسئلة، واحتج أشقائي لماذا؟ أنا تبعته في كل خطوة، وأنا لا أعرف وجهتي أو الفترة التي أبقى فيها كل منا سلاحه الكلاشنيكوف التقليدي في كتفه، برغم أننا محاطان بقوة أمنية كبيرة مع حراس اصطفوا كتفا إلى كتف إلى أن أصبحنا في أمان»
رحيل "أسامة بن لادن" جاء مُعززا من السودان، سافر بطائرة خاصة وبصحبة دبلوماسية لتسهيل الأمور لتنتهي علاقته مع "عمر البشير" والسودان، وليبدأ رحلته لأفغانستان، ولكن قبل ذلك علينا التوقف قليلا لاكتشاف علاقته مع رجال مثل "عبد الله عزام" و"أيمن الظواهري".