مجددا على ماذا راهن الرئيس "الأسد"؟!
منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام وفى أعقاب معركة حلب الفاصلة طرحت نفس السؤال، واليوم ومع دخول الجيش العربي السورى معركته الأخيرة والحاسمة مع الإرهاب وداعميه في إدلب، أعيد طرح نفس السؤال، للتأكيد على وجهة نظرنا الصائبة من ناحية وتنوير الرأى العام العربي بحقيقة الرهانات، التي جعلت الرئيس "بشار الأسد" ينتصر مع شعبه وجيشه في هذه الحرب الكونية التي تعرضت لها بلاده.
فعندما انطلقت موجة الربيع العربي المزعوم في نهاية عام 2010 وبداية عام 2011 كان العدو الأمريكى –الصهيونى جاهزا لدخول المرحلة الحاسمة في مشروعه التقسيمي والتفتيتى، المعروف بالشرق الأوسط الجديد، والذي سار فيه بخطوات متأنية منذ مطلع السبعينيات، فبدأ بجر رجل الرئيس المصرى "أنور السادات" بعيدا عن المشروع القومى العربي، الذي يشكل عقبة في طريق مشروع التقسيم والتفتيت، ونجحت الخطوة الأولى في فصل مصر بشكل نهائي عن مشروع الوحدة والدخول في اتفاقية سلام مزعوم مع العدو الصهيونى، هذا إلى جانب تبعية كاملة للعدو الأمريكى بإقناع الرئيس "السادات" أن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأمريكان.
ومع مطلع الثمانينيات بدأت خطوة جديدة بجر رجل الرئيس العراقى "صدام حسين" لحرب الثماني سنوات مع إيران في محاولة لاستنزاف قدرات الجيش العراقى، وإضعاف قوة عربية أخرى، وفصلها عن المشروع القومى العربي، وفور انتهاء الحرب المهلكة مع إيران وقبل أن تلتقط العراق أنفاسها تم اغراقها في مستنقع جديد وهو غزو الكويت، الذي يعد الخطوة الأوسع لمشروع التقسيم والتفتيت، الذي على أثره دخل البلطجى الأمريكى بقواعده العسكرية ليستقر في المنطقة لسنوات طويلة، وتمكن مع مطلع الألفية الثالثة من غزو العراق والقضاء على جيشه الوطنى، وتحطيم قدراته العسكرية المتطورة، ونهب ثروات دولة عربية كبيرة، كان يمكن أن تشكل حجر زاوية في مواجهة المشروع الأمريكى – الصهيونى.
ومع انطلاق الربيع العربي المزعوم والذي يشكل خطوة متطورة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، كان الأمريكان والصهاينة قد قاموا باعتماد أدوات جديدة للتقسيم والتفتيت، في إطار ما اطلق عليه الجيل الرابع للحروب، فلن يكون هناك تدخل عسكري مباشر كما حدث في العراق، إلا في أضيق الحدود، وسوف تنحصر في الضربات الجوية دون التدخل البرى على الأرض العربية، وهو ما تم بنجاح في ليبيا، وفشل عبر ما يقرب من تسع سنوات في سورية، وكان البديل للتدخل العسكري المباشر هو الاعتماد على الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة، وحاول الأمريكان والصهاينة غسل أدمغة الرأى العام العربي والعالمى عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة، بأن هذه الجماعات تشكل المعارضة داخل المجتمعات العربية.
وبالفعل حقق مشروع الشرق الأوسط الجديد تحت مظلة الربيع العربي المزعوم نجاحات في بعض الأقطار العربية عبر السنوات التسع الماضية، فشاهدنا نجاحا للمشروع في ليبيا واليمن ونجاح جزئي في تونس ومرحلى في مصر، لكن بقي الصمود السورى هو اللغز الذي يحتاج إلى تفسير ففى الوقت الذي سقط فيه "زين العابدين بن على" و"حسنى مبارك" و"معمر القذافى" و"على عبد الله صالح" كلا بطريقة مختلفة عن الآخر..
وكان الجميع ينتظر سقوط الرئيس "بشار الأسد" وراهن الأمريكان والصهاينة وحلفائهم داخل المنطقة وخارجها على السقوط والرحيل، سواء من خلال الضغط عبر الآلة الإعلامية، أو إثارة النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية، أو حشد وإرسال العناصر التكفيرية الإرهابية المسلحة عبر الحدود لخوض حروب شوارع كانوا يعتقدون أن الجيوش النظامية لا تجيدها، أو محاولة الإطاحة بالرجل عبر جولات لإدانته من خلال المنظمات الدولية، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، وهو ما يطرح السؤال مجددا: على ماذا راهن الرئيس الأسد؟!
وهنا تأتى الإجابة القاطعة بأن الرئيس "الأسد" قد راهن على عدة رهانات في مواجهة الأمريكان والصهاينة ومشروعهم التقسيمي والتفتيتى المعروف بالشرق الأوسط الجديد، وهى الرهانات التي جعلته يصمد وينتصر في هذه الحرب الكونية على بلاده، ويأتى الرهان الأول في تمسكه بالمشروع القومى العروبي المقاوم في وجه الغطرسة الأمريكية والصهيونية، فقد قرر الرجل السير على خطى والده وتطوير مشروعه التنموى المستقل، وهو ما حقق قدر كبير من الاكتفاء الذاتى، وعند بدء الحرب كانت سورية الدولة العربية الوحيدة التي يأكل شعبها مما يزرع ويلبس مما يصنع ولا توجد عليه ديون خارجية خاصة للغرب الرأسمالى.
والرهان الثانى للرجل كان ثقته في شعبه وقدرته على الصمود في وجه المؤامرة الخارجية، ومواجهة الآلة الإعلامية التي تحاول إثارة الفتنة الطائفية بمزيد من التماسك واللحمة الداخلية والانخراط في الدفاع عن الوطن، عبر الأدوات الإعلامية الجديدة المتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعى، فتكونت جيوش إلكترونية وطنية في مواجهة الجيوش المعادية، تمكنت مع الإعلام الوطنى التقليدى في إجهاض مشروع التقسيم والتفتيت.
ورهانه الثالث تمثل في قدرة جيشه على خوض معركة تبدو لأول وهلة أنها خاسرة بين جيش نظامى وجماعات إرهابية مسلحة ومدربة على حروب الشوارع، يتم إمدادها بأحدث التقنيات والمعدات العسكرية، لكن سير المعارك عبر السنوات التسع يؤكد أن الجيش العربي السورى قد نجح فيما عجز فيه الجيش الأمريكى ذاته وحرب فيتنام وبعدها أفغانستان ثم العراق خير شاهد وخير دليل، لذلك أذهلت انتصارات الجيش العربي السورى -التي خاضها على كامل الجغرافيا العربية السورية، ومن منطقة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى حتى وصلنا للمعركة الأخيرة في إدلب..
لذلك شاهدنا خلال هذا الأسبوع العدوان الصهيونى على دمشق، في محاولة متجددة للتشويش على الانتصارات المدوية للجيش العربي السورى وسيطرته الكاملة على خان شيخون في طريقه لتحرير إدلب.
أما رهانه الرابع فقد تمثل في قدرته على إقامة تحالفات دولية وإقليمية قوية قائمة بالأساس على المصالح المشتركة، دون خضوع أو تفريط في السيادة الوطنية، ودون المساس بالقدرة على اتخاذ القرار بعيدا عن أي ضغوط، وهو ما يعنى قدرة فائقة على إدارة المعركة سياسيا، لذلك تمكنت الدبلوماسية العربية السورية هزيمة المشروع الأمريكى –الصهيونى في كل الجولات، عبر المنظمات الدولية سواء بواسطة رجاله بشكل مباشر أو عبر الحلفاء خاصة الروسي الذي استخدم الفيتو في مجلس الأمن عدة مرات.
هذه بعض رهانات الرئيس "بشار الأسد" التي أجهضت مشروع التقسيم والتفتيت على الأرض العربية السورية، وهى أيضا الضمانة للحفاظ على شرف وكرامة الأمة العربية كلها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.