رئيس التحرير
عصام كامل

النفاق فى أعياد "الأقباط"!!


لست فى حاجة إلى تملق الإخوة المسيحيين بتقديم التهنئة لهم بمناسبة عيد الميلاد المجيد.. فليس عندهم أكثر مما عندنا نحن المسلمين.. فكلنا "مصريون".. نعيش على أرض واحدة، ونشرب من نهر واحد، ونتنفس هواء واحدًا.. ونستظل بسماء واحدة.. ونعبد ربًّا واحدًا، وإن اختلفت المسالك والدروب.

العلوم الشرعية التى درستها، ومعظم الكتب الدينية التى قرأتها.. تقول: إن تهنئة الإخوة الأقباط بأعيادهم جائزة، بخلاف البيان الذى أصدرته الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، و"حرمت" فيه مشاركة أو تهنئة غير المسلمين فى مناسباتهم الدينية.

ويمكننا أن نسوق عشرات الأدلة التى تجيز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. ولكن يكفى للرد على هذا البيان الزيارة التى قام بها وفد رفيع المستوى من مشيخة الأزهر ودار الإفتاء المصرية، لتقديم التهنئة للبابا تواضروس الثانى، ولكل المسيحيين.

لن أرد على "فتوى" الدكتور على السالوس، رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، ولكنى أسأله وأسأل أمثاله.. هل تقرأون قرآنا غير الذى نقرأ؟ وهل تؤمنون برسول غير الذى نؤمن به؟ بالطبع لا.. إذن كيف أباح الله لنا – كمسلمين- الزواج من أهل الكتاب "اليهود والنصارى"، ونأكل من طعامهم ولا نهنئهم بأعيادهم؟!

هل يعقل أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يهنئ زوجته السيدة "مارية القبطية"، التى أنجبت له ولده إبراهيم؟ هل يعقل أن النبى، وهو نموذج الرحمة والتسامح والمحبة، يحرم علينا تهنئة "اليهود والنصارى"، وهو الذى أمرنا بحماية أعراضهم وأرواحهم وأموالهم وبيوتهم وكنائسهم وصلبانهم؟!

بأى منطق صحيح، وبأى عقل مستقيم التفكير نقبل ذلك؟!.. هل العيب فى القرآن والسنة الشريفة؟ معاذ الله.. هل العيب فى الفاروق عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الذى عاهد المسيحيين فيما عرف بـ"الوثيقة العمرية"؟ حاشا لله.. هل العيب فينا؛ لأن عقولنا عاجزة عن إدراك ما يدركون، وفهم ما يفهمون.. أم أن العيب فى عقولهم.. وأفكارهم.. وفهمهم.

أيها المشايخ الذين ترددون دوما هذا الكلام.. أليس من الممكن أن تكون تهنئة الأقباط بعيدهم من باب تأليف قلوبهم، وترغيبهم فى الإسلام وإظهار محاسنه، والتعريف بسماحته ومحبته واحتوائه للآخر.. أم أنكم لا تدركون ذلك؟!

أيها الدعاة الذين تحرمون ما أحله إسلامنا.. إننا عندما نقدم التهنئة للمسيحيين فلا نفعل ذلك نفاقًا ولا رياء لهم.. ولكن لأننا نؤمن بأنهم "أشقاء" لنا بالفعل، يقتسمون معنا تراب هذا البلد، كما يقتسمون معنا همومه ومشاكله..

إن المرض لا يفرق بين أتباع محمد وأتباع المسيح.. والموت لا يحصد أرواح النصارى ويترك رقاب المؤمنين المسلمين.. والنار عندما تشتعل فى جسد الوطن فإنها لا تفرق بين مسلم ومسيحى..

أيها الشيوخ والدعاة الذين لم تعرفوا من الإسلام غير "التحريم".. كفوا عن فتاواكم الطائفية القاتلة.. تعاملوا مع المسيحى واليهودى أو حتى البوذى باعتباره "إنسانًا".. واتركوا "الدين" لله الذى خلق الأنام.

كل عام و"الأقباط" -المسيحيين والمسلمين- بكل خير وسلام.

الجريدة الرسمية