رئيس التحرير
عصام كامل

البقرة الحلوب


سياسات الحكومات الفاشلة منذ بداية حكم عبد الناصر حتى مرسى دفعت ملايين المصريين للهجرة خارج الوطن، صفوة علماء مصر ومثقفوها وقادة الرأى والأطباء والمهندسون، حتى أمهر الحرفيين والمزارعون رحلوا فى رحلة -لا يعلمون متى تنتهى- للعمل وكسب الرزق، فالغربة فى الوطن أشد قسوة من خارجه.

عدم وجود فرص عمل هو الدافع الرئيسى للهجرة، ومع ذلك كانت الحكومات الفاشلة تفرض على المهاجرين رسوما باهظة وتطلب أوراقا يستلزم تجهيزها معاناة قاسية فى دواوين الحكومة وروتين موظفين يكرهون أنفسهم، ودفع رشاوى لسرعة إنهاء الأوراق، وبعد معاناة يسافر المواطن وهو كاره لكل الأحداث التى مر بها فى وطنه.

وفور استقراره فى الغربة تتخلى الحكومة المصرية عنه تماما، ليعانى ذات المعاناة القاسية إذا أراد استخراج أى ورقة من السفارة المصرية، كتجديد جواز السفر أو الحصول على شهادة ميلاد لأحد أبنائه لإلحاقه بالمدرسة أو غيرها من المستندات، كل هذا يهون، لكن الأسوأ يحدث عندما يواجه المصرى مشكلة فى بلاد الغربة، يقف بالأيام يستجدى لقاء السفير أو القنصل أو حتى سكرتير سكرتيره، لا أحد يهتم به أو يحاول التدخل لحل المشكلة.

ولأن عشق مصر داء لا دواء له، فالمهاجر يتابع بشغف كل ما يحدث فى مصر، يرتجف قلبه لأى كارثة تحدث فى بلده، يسارع على الفور بتقديم كل ما يستطيع لوطنه، وينسى تماما ما حدث له ومعاناته القاسية فى وطنه.

مصر تتعامل مع مغتربيها فى الخارج على أنهم «بقرة حلوب»، والمصريون يسارعون –عن طيب خاطر وبكل حب– لتلبية نداء الوطن، وخير مثال على ذلك الأزمة التى تعانيها مصر فى النقد الأجنبى، ففى عام 2010 كانت تحويلات المصريين بالخارج 8 مليارات من الدولارات، ارتفعت فى 2011 إلى 12مليار دولار، وعندما استحكمت أزمة مصر المالية فى 2012 قام المصريون فى الخارج بتحويل 19 مليار دولار, بهدف زيادة الائتمان النقدى للاقتصاد المصرى. وفى الوقت الذى يوجد آلاف المصريين فى سجون الدول العربية "الشقيقة" فلا تزال سفاراتنا هناك تغمض عينيها عن الضرب والسحل والتعذيب والجلد الذى يتعرض له المصريون هناك، ثم تطالبهم مصر بالمزيد من التحويلات الدولارية، فلا يترددون ويدفعون أيضا عن طيب خاطر وبكل حب.

ألم أقل أن حب مصر داء لا دواء له.

الجريدة الرسمية