رئيس التحرير
عصام كامل

«أوروبا تتطهر من الإخوان».. النمسا تقر قانونا لحظر الحركات المتطرفة.. يشمل فرض حظر على الإسلام السياسي ويرفع عقوبة المخالف إلى السجن المشدد.. وقاعدة بيانات لحصر رؤوس الإرهاب في "فيينا"

فيتو

«لن يجدوا مأوى بعد الآن».. لافتة عريضة رفعتها دولة النمسا للتعبير عن رفضها وجود عناصر جماعة الإخوان الإرهابية على أراضيها، ليس هذا فحسب، لكنها ذهبت طويلًا في عملية محاصرة وحظر أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة، سواء المقيمين بالفعل في البلاد، أو الذين يبحثون عن ملجأ جديد، ويصوّبون أعينهم تجاهها، في ظل التغيرات الكبيرة، التي تحدث في بنية السلطة بتركيا، وتقدم التيارات العلمانية من جديد في حربها ضد التيار الديني، ما يعني طرد التيارات التي استوطنت البلاد، وحولتها لخلايا سرية، في انتظار لحظة الصفر، وقد تفجر المجتمع بأكمله، إذا تعرضت مصالحها للخطر.


التنظيم الإخواني يتحرك حاليا لتوريد غالبية المقيمين بتركيا إلى بلدان أخرى، يكون لديها حصانة «قانونية علمانية» كالتي حاربوها طوال تاريخهم، من أجل منعها، لتحميهم من الإنتربول الدولي، خاصة أن الغرب يخاف كثيرا من التورط في صراعات سياسية ينتهك من خلالها جرائم أخلاقية ضد القيم العليا للبلاد، وهي بالطبع قيم لايعرفها الإسلاميون، بل يحاربونها ليل نهار سواء في بلدانهم أو خارجها، ما يجعلهم خطرًا داهما على أي مكان يتواجدون فيه.

ومن أجل تفادي هذا السيناريو، تخطط الحكومة النمساوية لإقرار قانون في ديسمبر المقبل، يحظر الحركات المتطرفة في النمسا، سواء المقيمة على أراضيها، أو تلك التي تمتد بعلاقات معها خارج حدود البلاد، في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، والحركات الأصولية المتمركزة في فرنسا، التي لديها علاقات مع جماعات داخل النمسا، بجانب الإسلاميين في المنطقة العربية، وعموم حركات الإسلام السياسي.

القانون الذي يعده حزب الشعب النمساوي، صاحب النفوذ الواسع في الحياة السياسية، يدعو إلى حزمة شاملة من الإجراءات، ومن خلالها يرى فقط وقتها أن النمسا تسير على الطريق الصحيح، الذي يمكنها من محاربة التطرف، سواء القائم بالفعل، أو الذي يهدد بالقدوم إليها، فالحزب التقدمي، يرى ضرورة كبرى في مكافحة النزعات والاتجاهات المتطرفة المناهضة للدولة من البداية، ويشمل القانون المنتظر فرض حظر على الإسلام السياسي في القانون الجنائي، ويرفع العقوبة إلى السجن المشدد بسبب الانتهاكات الدينية التي يرتكبها التيار.

وبجانب ذلك يتضمن إنشاء قاعدة بيانات للإسلام السياسي، وتسليمهم إلى محكمة جرائم الحرب الدولية، وإجراء تعديلات على قانون المنظمات العامة من أجل تسهيل حل المنظمات المتطرفة، كما يعالج القانون أزمة النظم الأوروبية، التي لا تستطيع محاربة الإسلاميين، إلا إذا ارتكبوا جرائم مادية وانتهكوا القانون الجنائي، ومن هذه المنطلقات كانت التيارات المتطرفة تتخذ من البلدان الغربية التي تحارب ثقافتها وتذدريها وتروج لمحاربة الفكر الأوروبي، باعتباره معاديا للدين، قاعدة لتجهيز المشروعات التخريبية في منطقة الشرق الأوسط، فإنجلترا هي مهد التنظيم الدولي للإخوان، ونقطة انطلاق التيارات الجهادية، المعادية لأي قيمة إنسانية تخرج عن إطارها الفكري والعقائدي.

وكذلك فرنسا والدنمارك وغيرهم من البلدان، التي يعشش فيها الإسلام السياسي، ويبدو أن حزب الشعب، يدرس جيدا آليات التغيير، ويحاول فرض حلول استباقية تمكنه من كسب رضا الجماهير، في ظل تنامي الشعبوية والتيارات القومية، التي ترفض المهاجرين بشكل عام، والإسلاميين على وجه الخصوص، ولهذا تطالب هذه الأحزاب، بحل المنظمات غير الحكومية التي ينطق منها الإسلاميين، حتى لا يتم استخدامها في نشر أيديولوجية متطرفة أو معادية للدولة.

وبحسب مصادر «فيتو» يعلم الإخوان من مصادرهم، أن الداخلية النمساوية تخطط هي الأخرى لحظر التيارات المتطرفة، وطرد رموزها التي تعيش في البلاد، وخاصة المتطرفين العرب والأتراك والأكراد، خاصة أنها في وقت سابق حظرت بالفعل الشارات الفاشية تشرشل من أجل النصر، وشارات التيارات الإسلامية بما فيها شعارات الإخوان، التي يتوسطها السيف، والقرآن.

حديث المصادر، يبدو مقنعا إذا ما تتبعنا تبعية وزارة الداخلية، والمسار السياسي الذي يحكمها، حيث يسيطر عليها حزب الحرية اليميني، المتطرف ضد الإسلاميين والمعروف بـ (FPÖ)، وهو الشريك الأصغر في حكومة الائتلاف النمساوية، وتمتلك النمسا سجلا قويا خلال السنوات الماضية، في محاربة التنظيمات الإرهابية، إذ قامت بعملية كبرى قبل 3 سنوات، كانت الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة، وشارك فيها نحو 800 ضابط، وتبادلت إطلاق النار في العاصمة وفيينا ومدينة غراتس الجنوبية، لتفكيك شبكة كان يرأسها الداعية المتطرف ميرساد عمروفيتش، الذي أدين بتجنيد الشباب لداعش، واعتقلت 14 مشتبهًا لهم صلات مزعومة بتنظيم داعش، ولكن القضاء في النهاية أطلق سراحهم من الاحتجاز السابق للمحاكمة، ولم يتمكن الادعاء من توجيه الاتهامات بسبب تعقيد الأدلة وهي أزمة أوروبا كما أسلفنا.

العام الماضي، لم تيأس المؤسسات الأمنية المعنية من تعقيدات المؤسسة القضائية، وحذر المكتب الفيدرالي النمساوي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب في تقريره السنوي لعام 2018 من أن التطرف الإسلامي، والإرهاب الجهادي على وجه الخصوص، يمثل تهديدًا دائمًا، وبناء على التقرير أعطت السلطات النمساوية الأولوية لتدابير مضادة ضد المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وكذلك الجماعات الأصغر المرتبطة بها، مثل جماعة الإخوان، وخاصة بعدما تفاجئ المجتمع النمساوي بمشاركة ما يقرب من 313 مواطنًا نمساويًا، ضمن صفوف المتطرفين في العراق وسوريا.

وكانت فاجعة بكل المقاييس، أن ينجح الإسلاميين في الوصول لهذه النسبة من النمساويين، وكانت النمسا عضوًا في التحالف العالمي ضد داعش، وكانت من المساهمين في التحالف الدولي ضد التنظيم في العراق، واشتركت أيضا في مساعدات إعادة الإعمار حيث قدمت مساعدات إنسانية بقيمة 104 ملايين يورو للعراق وسوريا والدول المجاورة، وساهمت الصحوة النمساوية في منع وجود أي جماعة إسلامية محلية بارزة في النمسا، كما هو الحال في بريطانيا، ومقارنة بالدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وبريطانيا، شهدت عددًا قليلًا نسبيًا من الهجمات المتطرفة أو الإرهابية.

وحتى الحوادث المتعلقة بالتطرف نفذها أفراد لهم صلات بتنظيم الدولة الإسلامية، خاصة أنها ترصد مجموعات التطرف داخلها، وفي البلاد المجاورة التي يمكن أن يمتد تأثيرها عليها، ويثبت ذلك تقريرها السنوي لعام 2018، الذي رصدت فيها الشبكات المتطرفة الجهادية في غرب البلقان، وأكدت أن هذه الشبكات تمثل تهديدًا للأمن القومي للنمسا، بسبب قربها الجغرافي والعدد الكبير من الأقليات البوسنية والصربية التي تعيش بها.

وفي هذا السياق قال طارق البشبيشي، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، القيادي السابق بالإخوان: النمسا دولة مختلفة كثيرًا عن بقية الدول الأوروبية، بسبب شعبية الأحزاب القومية الكبيرة فيها، كما أنها ليس لديها أي حساسية، من التضييق على الأقليات والجاليات الأجنبية، خاصة الجاليات المسلمة، وسيطرة حركات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان على مساجد ومراكز الجالية المسلمة هناك، جعلها تسارع الزمن، حتى ستكون سباقة في هذه الخطوة، وتحظر الإخوان والتيارات الدينية كافة، من التواجد على أراضيها، وأكد أن الخطوة النمساوية الجريئة، ستتبعها بالطبع دول أوروبية أخرى.

موضحا أن هذه النزعات منتشرة في أوروبا كلها حاليا، بعدما أصبح واضحا لديهم، ماذا يعني تحديدا خطورة جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من التنظيمات التابعة لها، أو التي خرجت من عباءتها، على الحضارة والقيم والحداثة الغربية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية