«سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة».. أمريكا V.S الصين.."البنتاجون" يحشد قدراته العسكرية لمواجهة محتملة مع بكين.. ومخططات لتمكين الوكلاء لتنفيذ أجندة في الشرق الأوسط
الأمواج الهادرة في المحيط الهادي كشفت حجم الترهل الذي أصبحت عليه الآلة العسكرية الأمريكية، فجنرالات سفينة «واشنطن» يبدو أنهم بدءوا يعانون من «دوار المحيط»، لا سيما وأن القدرات العسكرية الأمريكية للحفاظ على التوازن اللازم في المحيط باتت أكثر ضعفًا، بسبب التأثير المباشر لحروبها في الشرق الأوسط وخطط تقشف الميزانية وقلة الاستثمارات في مجال القدرات العسكرية المتقدمة وجدول أعمال بناء النظام الليبرالي الأمريكي؛ مما جعلها غير مستعدة لمنافسة القوى العظمى بمنطقة المحيط الهادئ الهندية.
في محاولة من جانب الإدارة الأمريكية الحالية لإيقاف أزمة «فقدان السيطرة في المحيط»، وضعت واشنطن إستراتيجية جديدة للدفاع الوطني تهدف لمعالجة ذلك الإفلاس الإستراتيجي عن طريق تكليف قوة عسكرية بالإعداد لحرب عظمى واحدة بدلًا من الصراعات المتعددة الصغيرة، وحث الجيش الأمريكي على إعطاء الأولوية لمتطلبات الردع إزاء الصين على وجه الخصوص.
وبحسب معهد الأبحاث الأمريكية «يو إس إس سي»، فإن أنظمة التدخل الصيني المضادة للقدرات الأمريكية قادرة على إسقاط أي قوة تواجهها في منطقة المحيط الهادئ، مما زاد من خطر استخدام الصين لتلك القوة لتحقيق نصر مؤكد ضد القوات الأمريكية في حال لم تتمكن أمريكا من التعامل مع الوضع.
غير أنه في المقابل تواجه العقلية العسكرية التي قررت مواجهة تلك التحديات بعقلية «عفا عليها الزمن» في مؤسسة السياسة الخارجية من قدرة واشنطن على تقليص الالتزامات العسكرية الأخرى لتوجيه الجهد في اتجاه واحد، وبحلول العقد المقبل، فإنه من غير المحتمل أن تفي ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» باحتياجات إستراتيجية الدفاع الوطني بسبب مزيج من الضغوطات السياسية والمالية.
باعتبار أن ميزانية «البنتاجون» خضعت لفترات طويلة من التمويل المتأخر، عبر الفشل المتكرر للكونجرس في تمرير ميزانيات منتظمة ومستدامة تدعم تخصيص الموارد والتخطيط بشكل فعال على المدى الطويل، بعد تصاعد الحزبية والاستقطاب الأيديولوجي داخل وفيما بين كلا الحزبين الرئيسيين في الكونجرس (الديمقراطي والجمهوري) بما جعل من الصعب الوصول إلى توافق في الآراء بشأن أولويات الإنفاق الفيدرالي.
وإلى جانب ما سبق تواجه أمريكا عجز متزايد ونسب مرتفعة من الدين العام، في حين كان العمل السياسي لتصحيح تلك التحديات بطيئًا للغاية بحسب التقرير، ولكن في ظل إستراتيجية الأمن الوطني الأمريكية المتبعة حديثًا فإن جزءًا من الميزانية الفيدرالية سيكون متاحًا للبنتاجون، بما يعزز إستراتيجية «النمو فوق التضخم» في الحسابات الرئيسية لميزانية الدفاع، وبما يضع عدة مصاعب تتمثل في كيفية توفير ميزانية مناسبة في ظل الحاجة كل عام إلى تكلفة أكبر حتى يصبح الجيش الأمريكي على نفس الحجم العسكري.
وأكد المعهد الأمريكي أن «عشرين عامًا من القتال شبه المستمر، وعدم استقرار الموازنة الأمريكية أدى إلى تآكل استعدادات العناصر الرئيسية في سلاح الجو والبحرية ومشاة البحرية الأمريكى، واستخدام معدات قديمة جار عليها الزمن، وتراجع العمليات التدريبية»، مشددًا أيضا على أنه هناك تحديات هيكلية تواجه الجيش الأمريكي تتمثل في أن المعدات والأسلحة التي تم تطويرها في الثمانينات تحتاج صيانتها إلى تكلفة كبيرة.
وكذلك تقليص أدوار العديد من الأنظمة المصممة للصراع مع القوى العظمى لإفساح المجال لمتطلبات حروب الشرق الأوسط، ورغم العمل الميداني وتجارب قدرات معدات الجيل الجديد، إلا أن تأجيل وإلغاء برامج الأسلحة الجديدة على مدى العقود الماضية أوجد تراكمًا لما يمكن وصفه بـ«أولويات التحديات» التي من المحتمل أن تفوق قدرة ميزانية الدفاع الأمريكية، في وقت أصبحت القواعد العسكرية الأمريكية والقوات المتحالفة معها في منطقة المحيط الهادئ الهندية متاحة أمام أي هجمات صاروخية صينية محتملة، وتفتقر إلى البنية التحتية القوية التي تمكنها من مواجهة أي تهديد، في استمرار لمسلسل انخفاض القدرات اللوجيستية الأمريكية، بما جعل إستراتيجية «الدفاع الجماعي» ضرورية بشكل سريع كوسيلة لتعويض النقص في القوة العسكرية الإقليمية لأمريكا ومواجهة القوة الصينية المتصاعدة.
وفي سبيل تحقيق ذلك، أوضح بحث ـ«يو إس إس سي» أن «واشنطن تسعى من خلال حلفاء أقوياء لها مثل أستراليا إلى متابعة تجميع القدرات العسكرية، ووضع أولويات الردع الجماعي مع الحلفاء والشركاء الإقليميين مثل اليابان، وتعزيز أهداف الردع الإقليمية، وعمل مناورات عسكرية جديدة مع هؤلاء الحلفاء لتطوير وإظهار مفاهيم عملياتية جديدة لحالات الطوارئ في المحيط الهادئ، إضافة إلى تحسين البنية التحتية والخدمات اللوجيستية في القواعد العسكرية وزيادة مخزون كل منها، وخلق قدرات ذات سيادة في التخزين وإنتاج الذخائر الدقيقة وتوفير الوقود والمواد الأخرى اللازمة لصراع مستدام، وإنشاء ورش عمل حول أمن المحيط الهادئ لدعم تطوير المفهوم التشغيلي المشترك، والاهتمام بمشاريع البحث والتطوير المشتركة».
ولعل الأزمة غير المسبوقة التي تواجهها إستراتيجية الدفاع الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ نشأت في جوهرها نتيجة اختلال واضح بين أهداف واشنطن الإستراتيجية والوسائل المتوفرة، في مواجهة مشهد أمني إقليمي متنازع عليه بشكل متزادي وموارد دفاعية محدودة، بحيث لم يعد الجيش الأمريكي مطمئنًا لقدرته على دعم توازن القوى بشكل منفرد في منطقة المحيط الهادئ الهندية، وعلى النقيض من ذلك فإن الصين تحقق نموًا واسع المدى وأصبحت أكثر قدرة على تحدي النظام الإقليمي، نتيجة استثماراتها الضخمة في الأنظمة العسكرية المتقدمة.
ورغم أن الأشهر الماضية شهدت جهودا من البنتاجون لتحديد أولويات متطلبات مجاراة القدرات العسكرية للصين، فإنه لم يتمكن حتى الآن من تركيز أولويات قواته المسلحة على هذه المهمة، أو تقديم خطة الإنفاق الدفاعي التي تتناسب مع نطاق إستراتيجيته العالمية، والنتيجة أصبحت عدم تطابق بين الإستراتيجية والموارد التي تهدد الاستقرار المستقبلي للقوة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ الهندية، ويمكن القول هنا إن دوافع الأزمة الأمريكية تلك متعددة الأوجه.
ليس هذا فحسب لكنه من المرجح أن تستمر لفترة، فعلى المستوى الإستراتيجي، يأتي عمل واشنطن على تنفيذ أجندة بناء نظم ليبرالية موسعة بما يشمل قرابة عقدين من الزمن خاضتهم في حروب الشرق الأوسط، جعل القوات المسلحة الأمريكية غير مهيئة لهذا النوع من الردع ومهام القتال الممكنة لمواجهة الصين، في وقت نشرت فيه مجموعة هائلة من الصواريخ الدقيقة وأنظمة التدخل المضادة والتي من شأنها أن تقوض الأسبقية العسكرية الأمريكية، حيث يمكن لبكين استخدام تلك القوة بسرعة قبل أن تتمكن أمريكا من الرد.
وأشار البحث الأمريكي إلى أن ذلك لا يعني أن أمريكا أصبحت «نمرًا من ورق»، فهي لا تزال تعتبر أكبر قوة عسكرية في العالم وأكثرها تطورًا، ولكن قدراتها على دعم توازن إقليمي طويل الأمد في منطقة المحيط الهادئ الهندي، أصبحت تتضائل وفي حال لم تتداركها في أسرع وقت، فلن يمكنها التغلب على أي هجوم قد يحدث ضدها في نهاية المطاف، بما استدعى ضرورة أن تكافح الولايات المتحدة لتلبية مطالب التنافس مع قوة العظمى كبرى مثل الصين، ومواجهة حقيقة مؤسفة لواشنطن تتمثل في أن قواتها المسلحة غير مستعدة للتفوق على الصين.
وسعت القوات المسلحة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى تعزيز توازن القوى في المحيط الهادئ، عن طريق تعظيم تواجدها على طول سلسلة الجزر الممتدة من اليابان وكوريا الجنوبية وصولًا إلى تايوان والفلبين، إضافة إلى المنشآت الدفاعية واسعة النطاق الموجودة في هاواي وجوام ودييجو جارسيا، وقواعد العمليات الأمامية الموجودة في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وسنغافورة، بما مكن واشنطن من الحفاظ على تواجدها العسكري في تلك المنطقة البحرية الشاسعة رغم مقايضة الدول التي عاونتها والتي طالبت بضرورة توفير الحماية والأمان اللازم من خلال مساعدات عسكرية باهظة التكلفة، إلا أن ضمان حرية الوصول للمياه الدولية بتلك المناطق جعل الولايات المتحدة مستعدة لتقديم بعض التنازلات.
وفي إطار تنفيذ إستراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة، وضعت واشنطن خطة بعيدة المدى تقضي بتحويل جميع صراعاتها في منطقة الشرق الأوسط، إلى وكلاء لها ينفذون استراتيجياتها التي كانت تنفذها بنفسها، عن طريق تقديم الدعم المالي والعسكري لهم، بما يضمن لها استمرار تنفيذ أجنداتها في المنطقة من جهة، ويتيح لها توجيه قدراتها العسكرية نحو المعركة التي ترى أنها الأهم حاليًا وتستحق تركيزًا مكثفًا من جهة أخرى.
من جهته، قال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية، إن واشنطن بدأت في تقليص تواجدها العسكري بمنطقة الشرق الأوسط منذ حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتعززت تلك الإستراتيجية مع قدوم الرئيس الحالي دونالد ترامب، معتبرا أن الإستراتيجية الأهم في الوقت الحالي بالنسبة لأمريكا تتعلق بردع روسيا والصين، لذلك قررت تخفيض تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وزيادة تواجدها في منطقة المحيط الهادئ وآسيا بشكل عام.
ورأى كمال، في حديثه لـ"فيتو"، أنه لن تكون هناك معركة مع الصين بالمعنى العسكري، وإنما الهدف من تواجد واشنطن بتلك المناطق، إظهار القوة الأمريكية بمناطق النفوذ الصيني كوسيلة من وسائل الردع.
فيما أوضح قال الدكتور ياسر جاب الله، رئيس مركز البحوث والدراسات الصينية في جامعة حلوان، إن وجود الجيش الصيني على الحدود مع تايوان وهونج كونج نتيجة للتظاهرات والمشكلات المتواجدة بها لا يعني إمكانية نشوب حرب بين الطرفين، لافتًا إلى أن تعزيز أمريكا لقواتها في المحيط الهادئ لا يمكن التعامل معه على أنه يعنى احتمال نشوب حرب مباشرة.
وأضاف «جاب الله»، في تصريحه لـ لـ«فيتو»، أن مشكلات هونج كونج قائمة منذ فترة، ولكنها وضعت تحت الضوء خلال الوقت الحالي بسبب اقتراب الصين من ريادة النظام الاقتصادي العالمي، وواشنطن لن تتخلى بسهولة عن إدارتها لهذا النظام، لذلك تمارس ضغطا إعلاميا على الصين.
وأشار إلى أن تعزيز التواجد الأمريكي في المحيط الهادئ يمثل ورقة ضغط من الولايات المتحدة على الصين لعدة اعتبارات اقتصادية في المقام الأول، موضحًا أن أمريكا ترى أن الصين تعتدي على حقوق الملكية الفكرية لمنتجاتها مما يترتب عليه خسائر كبرى لمؤسساتها، إضافة إلى أن قيام الصين بتخفيض قيمة عملتها أمام العملات الأخرى وزيادة تنافسية المنتجات الصينية يثير غضب واشنطن بشكل كبير.
"نقلا عن العدد الورقي..."