رئيس التحرير
عصام كامل

الأمية.. نار تحت الرماد.. أكثر من ربع المصريين يجهلون القراءة والكتابة.. ومطالب بـ«مبادرة رئاسية» للقضاء عليها.. محافظات الصعيد في المقدمة.. و153 نموذجا مشرفا في المنيا

الأمية - ارشيفية
الأمية - ارشيفية

عندما تقول التقارير الرسمية إن في مصر أكثر من 20 مليون شخص يجهلون القراءة والكتابة، فلا يجب أن يمر هذا الأمر مرور الكرام، أو نتغافل عنه. هذه الإحصائية، المرشحة دومًا للزيادة، والتي تساوى سكان عدة دول خليجية، تؤكد أن هناك نارًا تحت الرماد، وأن كثيرًا من خطط التنمية التي تعتزم الحكومة تطبيقها على أرض الواقع قد لا تصادف نجاحًا، وأن احتمالات فشلها تتفوق على احتمالات نجاحها.


الدراسات الحديثة تثبت أن فئة الأميين هي الأكثر مقاومة لخطط التنمية والتوسع، فالشخص الأمي لن يكون متجاوبًا مثلًا مع أية دعوة لتنظيم النسل، وهو ما يبدو جليًا في الزيادة السكانية التي لا ترحم.

وبحسب التقارير الرسمية.. فإن محافظات الصعيد لا تزال صاحبة الحظ الأوفر في نسب الأمية، وهو ما يفسر المشكلات الكثيرة الكامنة هنا، على جميع المستويات، واستمرار بعض السلوكيات الناجمة عن الجهل بأصول القراءة والكتابة، ومخاصمة أدنى درجات التحضر.

من الرائع، أن تهتم الحكومة بالتوسع في إنشاء المدارس والجامعات، باختلاف مستوياتها، ولكن هذا لن يؤتي ثماره، حال وقفت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار بلا حول ولا قوة، أيًا كانت الأسباب، رغم الميزانية الكبيرة المخصصة لها والتي تقترب من 300 مليون جنيه.

اتساع ظاهرة الأمية في ربوع مصر يترتب عليه تداعيات خطيرة، على المستوى الاجتماعى والنفسي والأخلاقي، ويتطلب اهتمامًا رسميًا كبيرًا، على غرار المبادرات الرئاسية، في سبيل كسر هذا الرقم الكبير الذي يجب أن يشكل صداعًا في رءوس المسئولين، ويدفعهم دفعًا إلى وضع الخطط والاستراتيجيات الجادة لمقاومته ومكافحته.

"فيتو" تطرح القضية للنقاش المجتمعى بحثًا عن حلول.


الصعيد معقل الأمية
تعتبر محافظات الصعيد معقلًا للأمية، وتأتى المنيا في الصدارة بحسب التقارير الرسمية.

شادى رزق، مدير عام إدارة العلاقات العامة لفرع تعليم الكبار بالمنيا قال لـ "فيتو": إن جهاز التعداد والإحصاء أثبت في تقريره الأخير الصادر في 1 يوليو 2018 أن نسبة الأمية في المنيا في الفئة العمرية من 15 عاما فأكثر بلغت مليونا و450 ألف أمي، على إثر ذلك تم تفعيل العديد من المبادرات مع هيئات المجتمع المدني ووزارة الشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي والتربية والتعليم وجامعة المنيا.

ورغم سوداوية المشهد، فإن المحافظة تمتلك أكثر من 153 نموذجا مشرفا في مشروع محو الأمية استطاعوا أن يتقلدوا مناصب مهمة بالمحافظة من بينهم: طبيب ومهندس وأعضاء هيئة تدريس بجامعة المنيا. من بين هؤلاء: رضا ممدوح محمد، ابن قرية منشأة المغالقة بمركز ملوى، وبدأت قصة نجاحه من فصول محو الأمية إلى الشهادة الجامعية، ليلاحقها بالماجستير، محطمًا كهوف جهل الأمية بنور العلم، حيث التحق بفصل محو الأمية في قرية منشأة المغالقة عام 1997، كان عمره 15 عامًا، وكان الفصل به 30 أميًا.

"رضا" قال لـ "فيتو":" أنا الوحيد اللى نجحت من بين 30 طالبا، بعد أن اجتزت 6 اختبارات ما بين القرية ومركز ملوي، وتعليم الكبار بالمنيا، ثم التحقت بالمرحلة الإعدادية (انتساب)، وانضممت مع الطلاب في الفصول كأي طالب في مرحلة الثانوية، ثم تخصصت في دراسة المواد العلمية، وفى الصف الثانى الثانوى حصلت على 87% والصف الثالث 97% مجموع العامين تجاوز 92%، فالتحقت بكلية السياحة والفنادق عام 2005، وطوال سنوات الجامعة حصلت على امتياز مع مرتبة الشرف، ثم التحقت بالسنة التمهيدية للماجستير وقمت بمناقشة الماجستير والآن أقوم بتحضير الدكتوراه، وأشغل منصب أمين كلية السياحة والفنادق بجامعة المنيا".

قنا
ومن المنيا إلى قنا.. أكد اللواء عبد الحميد الهجان، محافظ الإقليم أن المحافظة استطاعت محو أمية ما يقرب من 71 ألفا خلال الفترة الأخيرة، ومحــو أمية 83 ألف أمي بالمحافظة وبلغت نسبة النجاح للمستهدف نحو 85%، وتبلغ نسبـة الأمية في قنا 23،9 % منها 16،7% للذكور أما الإناث 31%.

ونوه إلى أن الدولة تولى اهتمامًا كبيرًا بمعالجة قضية الأمية لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية تؤثر على تقدم المجتمع ورقيه وتعوق عمليات التنمية المستدامة وإحداث نقلة حقيقية في مجالات العمل المختلفة كما تعد أحد أهم وأخطر المشكلات التي تواجه الدول النامية في الوقت الحاضر، لافتًا إلى أن الدولة قامت بإعداد خطة عمل لمواجهتها والقضاء عليها من خلال تفعيل بروتوكولات التعاون الموقعة بين العديد من الوزارات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني مع هيئة تعليم الكبار للوصول لمجتمع بلا أمية، منوهًا إلى أن هيئة محو الأمية تمنح المدرسين مبلغ 300 جنيه عن كل دارس بنظام فصول التعاقد الحر.

ومن أكثر القرى والنجوع التي تواجه مشكلات هي تلك التي تمتاز بعادات وتقاليد صعبة، وترفض استكمال تعليم الإناث، مثل قرى أبو دياب وأبو مناع بمركز دشنا، والتي يقطنها عدد كبير من قبائل الهوارة، فتعليمهم يتوقف عند مرحلة الابتدائية وآخرون الإعدادية وبعدها تتسرب الفتاة من التعليم ويستعدون لتزويجها عن طريق السنة أو ما يسمى إعلاميًا بتزويج القاصرات.

وطالب ياسر محمود، ولي أمر طالب من ذوي الإعاقة، بضرورة أن تكون هناك فصول مخصصة لذوي الإعاقة مخصصة لهم ومدرسين متخصصين في هذا المجال لأنهم يحتاجون إلى رعاية خاصة.

القليوبية
ومن قنا إلى القليوبية.. حيث تعتبر الأمية إحدى المعوقات التي تقف في طريق التنمية وعجلة الإصلاح، سجلت الإحصائيات الرسمية أن الأميين يمثلون 23% من تعداد سكان المحافظة. كان من المفترض إعلان القليوبية خالية من الأمية في عهد المحافظ السابق اللواء محمود عشماوي، إلا أن الحلم لم يتحقق؛ بسبب بعض المعوقات المتمثلة في عدم تعاون مؤسسات المجتمع مع الهيئة التي تغرد منفردة بالمحافظة باستثناء القليل بالإضافة إلى عدم انتشار ثقافة التطوع في هذا المشروع.

وتعتبر المقرات غير الممهدة والتشتت الذي يعاني منه الموظفون أحد أبرز تلك العراقيل فمثلا مقر الهيئة الرئيسي بمدينة بنها شقتان في إحدى العمارات السكنية القديمة، والمبنى آيل للسقوط وتعرض للسرقة عدة مرات ويقع وسط السوق ويستخدم السور الخاص به كمكان لعرض الخضار والفاكهة.

أشرف بدوي مدير فرع الهيئة العامة لتعليم الكبار بمحافظة القليوبية أشار إلى أن لدى الهيئة 1750 فصلا دراسيا و150 موظفا بالإضافة إلى 271 مدرسا معينا، ولديها خطوات ثابتة للتغلب على بعض المعوقات التي تعيق استكمال رسالتها، حيث إن الهيئة لديها بروتوكول مع مديريات الشباب والرياضة والتربية والتعليم والصحة والأوقاف لتحقيق مزيد من الانتشار والوصول إلى المستهدفين.

مطروح
ومن القليوبية إلى مطروح، حيث يعانى نحو 85 ألف مطروحى، بينهم 53 ألف سيدة، من الأمية، وتعمل هيئة تعليم الكبار بمحافظة مطروح بالمشاركة مع عدد من الجهات والجمعيات الأهلية، ووقعت بروتوكولات التعاون مع الجهات الأهلية وتحفز أهالي القرى والنجوع المتعلمين لتعليم أهالي قريتهم بالمجان.

عادل مسلم، مدير هيئة تعليم الكبار ومحو الأمية بمطروح، قال لـ "فيتو" إن الهيئة شهدت خلال الفترة الماضية عددًا من الإنجازات التي من أهمها محو أمية بعض السكان بنسبة 1.8% من الأمية بمطروح العام الماضي، والمستهدف محو أميتهم خلال العام الحالي ١٠ آلاف أمي، مؤكدا أنه يصعب تحقيق المستهدف فوفقا للقوانين تعد هيئة محو الأمية هي جهة إشرافية بينما الجهات الشريكة هي جهة التنفيذ، مؤكدا عن وجود عجز في الموظفين لدى الهيئة في مطروح، ما يؤدي إلى ضرورة تكاتف من الجهات الشريكة.
الجريدة الرسمية