"كراستي" يا وزير التعليم!
كنا بغير شعور نقلب كراسة المدرسة على وجهها أو على غلافها الامامي لنقرأ ونتأمل في الإرشادات الموجودة على غلافها الخلفي.. كانت -لمن يتذكر الكراسات المدرسية حتى الثمانينيات- تعلمنا السلوك اليومي.. متى نستيقظ، وماذا نفعل عند الاستيقاظ، وكيف نتعامل مع من حولنا، وماذا نفعل من أجل هندام جيد، ونظافة دائمة، والتزام بالنظام..
كانت هناك كراسات أخرى تعلمنا السلوك القويم مع الآخرين وليس مع أنفسنا فقط.. في المنزل مع الأب والأم ومع الإخوة والأشقاء ومع الجيران والضيوف، ومع استقبال الأقارب ومع الباعة المتجولين ومع كائنات ومخلوقات الله الأخرى.. وكلها تساهم في خلق إنسان سوي.. لا يعرف إلا الخير.. عضو في مجتمع يحبه وينتمي إليه، ويحب من فيه ويريد أن يشارك في بنائه..
فجأة.. اختفى هذا النوع من الكراسات والكشاكيل.. ربما كان السبب دخول القطاع الخاص على خط إنتاج هذه المستلزمات.. لكن كان القطاع الخاص موجودا من قبل وكانت هذه النوعية من الكراسات والمستلزمات موجودة.. فما الذي جرى؟
الذي جرى تراجع الدولة عن دورها كله.. فلا اهتمام بالحضور والانصراف، ولا بتحية العلم، ولا بكل أسس التربية نفسها.. ولذلك فجيل المتحرشين جماعيا وجيل الغشاشين جماعيا وجيل الهري والتحريض والكراهية والاستعلاء على الآخر ليس وليد اليوم، وليست ظواهر ولدت فجأة!
كنا في لقاء مع وزير التعليم قبل فترة في أحد فنادق الدقي.. وسأله أحد الأصدقاء عن هذه الإرشادات.. أشاد بها الوزير وقال سنعيدها ولكن بطريقة أخرى.. واليوم نستعجل الدكتور طارق شوقي لإعادتها.. ونعرف ما التعارض أن تعود كما كانت وأن يضيفها الدكتور شوقي برؤيته الأخرى؟ ما الذي ستخسره شركات ومصانع الورق لو أضافت إرشادات مفيدة ورائعة على الأغلفة الخلفية للكراسات بدلا من تركها فارغة هكذا؟! وكيف لم ينتبه لذلك وزير تعليم واحد خلال ثلاثين عاما؟! شيء عجيب جدا!