رئيس التحرير
عصام كامل

الاقتصاد المصري.. وحرب العملات بين الصين وأمريكا


اتخذت الحرب التجارية بين أمريكا والصين منحني جديد قد يتحول إلى حرب عملات، ففي كتاب "اليورو ومعركة الأفكار". كتب "هارولد جيمس" أستاذ التاريخ والشئون الدولية في جامعة برينستون، وزميل في مركز الابتكار للحكم الدولي، وعالم في التاريخ الاقتصادي الألماني، فقد شرح أنه لم تنشب حرب عملة على نطاق كبير منذ زمن، ولكن الاحداثيات توضح اقتراب حدوثها..


بعد الأزمة المالية 2008 صرح وزير المالية البرازيلي وقتها "جويدو مانتيجا" مصطلح حرب العملة تجاه السياسات الأمريكية لخفض أسعار الفائدة لدعم الصادرات، أيضا انتهجت اليابان وأوروبا نفس السياسة، أما الصين فقد اتهمها "ترامب" بالتلاعب بقيمة العملة لدعم الصادرات، وفي 2012 بدأت قيمة اليورو تنخفض مقابل الدولار وكانت الأزمة في مهدها ولكن..

تحاول الصين منذ ذلك الوقت تحويل معاملاتها بعيدا عن الدولار الأمريكي، ومؤخرا صنفت الولايات المتحدة الصين كدولة متلاعبة بالعملة مع اتجاه "ترامب" لخفض قيمة الدولار، ويدعم قراره صندوق النقد، الذي يرى أن قيمة الدولار تزيد ١٢٪؜ عن قيمته الفعلية، ولكن وزير الخزانة الأمريكي يعرض هذه الإستراتيجية لأنه يرى أنها غير مؤثرة لدعم الصادرات، وهذا يؤكد أن هناك أهدافا أخرى وبالتالي تكتمل ملامح حرب العملات.

ولعل كتاب "حرب العملات" التي كتبه "جيمس ريكاردو" الذي عمل استشاريا لوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية هو أكثر الكتب دقة وإلماما بأساليب الحروب الاقتصادية، من خلال العملات الوطنية، وهي قد تؤدي إلى نوبات مفزعة من الركود والتضخم بل والعنف والإرهاب، ويحقق استفادة دول وشركات استثمارية دولية من موارد دولة نامية بأقل قيمة، لاستنزاف وإفقار دول لصالح أخرى..

وقد حدثت حروب العملات مرتين في القرن الماضي، عموما المشهد الدولي يضع مؤشرات لمشهد حرب قادمة، وقد أشار لها وزير المالية البرازيلي صراحة، ولعل الدول تلجأ لخفض قيمة العملة لتحفيز الصادرات وتحجيم الاستيراد، ولكنها كانت السبب في إيقاظ الركود العظيم الذي أدى لانهيار التجارة العالمية أيضا في السبعينيات، عندما زاد سعر النفط أربعة أضعاف بسبب سعي أمريكا لخفض قيمة الدولار، أيضا أزمة الجنيه الإسترليني ١٩٩٢ إلى أزمة ألبيسو المكسيكي ثم أزمة الروبل الروسي.

وعن الحرب المرتقبة، فرغم قوة عملات دول البركس أو الين أو الدرهم الإماراتي ولكن إجمالي الناتج القومي لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين يشكل ٦٠٪‏ من الناتج العالمي، بما يمثل الثقل الاقتصادي، ولا ننسى مجموعة العشرين بتأثيرها، وبالطبع فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة لاعبين أساسيين في التوازنات، ولعل الأخطر في عمليات خفض قيمة العملة هو توجه رءوس الأموال للأصول الثابتة، مما قد يصيب النظام المالي العالمي بالانهيار، مما قد يجعلها آخر حروب العملات كما صرح "وودرو ويلسون".

ويتحدث "ريكاردز" عن حرب العملات أنها حرب حقيقية شرسة، وتنفيذ هجمات بخطط متكاملة باستخدام الصناديق السيادية، والإرهاب وأجهزة المخابرات والإنترنت، عموما فإن أسعار الأسهم والسندات وعلاقاتها بسعر الفائدة هي علاقات معقدة وقد لا تؤدي لتدمير اقتصاد فقط، لأن انهيار العملة هو تدمير شامل للاقتصاد الوطني.. في توقعات الحرب العالمية الثالثة فموقف الدولار غامض لأن حقوق السحب قد تحميه (الاحتياطيات التي يحددها صندوق النقد الدولي)، ولكنه أيضا معرض للانهيار وقد يؤدي انهياره ذلك إلى انهيار حضاري على كوكب الأرض، وحالة من الفوضى المالية المفزعة التي قد تعجز القوى العالمية في كبح جماحها.

كتاب «بنادق أغسطس» للمؤرخة "باربارا توكمان" والذي صدر 1962 عن الحرب العالمية الأولى، استشهد به الدكتور محمود محيي الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولي، ليصل إلى حقيقة أنه كان متاحا إنهاء الحرب الأولى والتي كانت سببا في الثانية إذا ما توافق قادة القوى الكبرى على التفاوض، ولكن تنشأ الحروب العالمية عندما يكون أطرافها واثقين من النصر، ثم يخرج الأطراف بأشد درجات الخسائر والدمار في تلميح صريح منه بما يدور في الحرب التجارية بين الصين وأمريكا قد يؤدي لدمار اقتصادي على الكل، وينصح "محيي الدين" الدول النامية بخفض الفائدة على الدولار، وتنويع قواعد الإنتاج، وتحقيق التوزيع الجغرافي المتوازن للنشاط التجاري، ويشير أيضا لاحتمالية تحول الصراع الأمريكي الصيني إلى حرب عملات مدمرة للاقتصاد العالمي.. ويشير إلى دور التكنولوجيا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

في مقال لـ"هارولد جيمس" نشر في منتدى الاقتصادي العالمي بعنوان كيف تستطيع التكنولوجيا إنهاء حرب العملات، وهو يدعم فكرة العملة الرقمية لتكون وسيلة للتبادل والمقايضة بعيدا عن الاضطرابات، وتشكل نظاما نقديا عالميا بعيدا عن علاقة العملة بالدولة القومية وسياساتها، فمن الواضح أن هناك توجها نحو إصدار عملة رقمية موحدة تحقق مواجهة الاختلالات الاقتصادية والتلاعب بالعملات، وقد برزت الليبرا (عملة فيس بوك) كعملة إلكترونية، ولكن تكمن المخاطرة في تحديد قيمتها والتلاعب فيها أيضا بالمضاربات كما حدث مع الجيل الأول( البيتكوين)، مع مخاوف من تلاعب الشركة المصدرة لقيمة العملة لتحقيق أرباح..

فمهما كانت مساوئ الحكومات ولكنها تتحمل عبئا أخلاقيا اجتماعي أمام شعوبها وأمام المجتمع الإنساني، بينما الشركات أهدافها محددة في تحقيق أعلى الأرباح.. من الواضح أن العملات الرقمية ستمثل مستقبل الاقتصاد العالمي شئنا أم أبينا... ولكن أتوقع أن تنقسم عملة العالم إلى كتلة غربية بقيادة أمريكا وكتلة شرقية بقيادة الصين، ولكن يلزم شبكتين منفصلتين للإنترنت والتجارة والإعلام.

إن مكامن قوة الاقتصاد المصري على المدى القصير أمام مخاطر حرب العملات هي أن الديون الخارجية تزيد عن ضعف الاحتياطي من العملات الأجنبية إلى جانب احتياطي الذهب، مع وجود أصول ثابتة ضخمة وموارد لم تستغل تشكل قوة للاقتصاد المصري على المدى الطويل.. هذا وتظل السياسات المصرية على مسافة واحدة من طرفي النزاع الولايات المتحدة والصين في ظل الانقسام التكنولوجي المتوقع.
الجريدة الرسمية