الأرشيف السينمائي.. خرج ولم يعد (5)
صدر قرار وزير الثقافة بتعيين مدير التصوير السينمائي الكبير "كمال عبد العزيز" رئيسا للمركز القومي للسينما منذ سنوات، وما أن جلس إلى مقعده حتى طلب من مدير مكتبه النزول إلى الأرشيف السينمائي، إلا أن الرجل الذي فوجئ بالطلب، اعتذر عن عدم إمكانية تحقيق طلب الرئيس الجديد، بدعوي أن الموظف المسئول في إجازة ولا يوجد من يحل محله، ولمدة ستة أشهر مرت كأنها أعوام كان يسأل عن الموظف الذي لا يأتي متشبها برواية "صمويل بيكت" في انتظار "جودو" الذي لا يأتي أبدا.
وبعد مرور الأشهر الستة وجد مدير مكتب رئيس المركز أن يقدم له الحقيقة على مراحل، فأخبره أن الموظف مريض واشتد مرضه، إلى أن فاجأه ذات صباح أن الموظف قد توفاه الله.
ابتلع رئيس المركز ومدير التصوير الكبير "كمال عبد العزيز" المفاجأة، وقام بتشكيل لجنة لكسر أقفال مخزن الأفلام وجرد العهدة، ونزل من فوره على رأس اللجنة وبوجود كبار الموظفين ومدير أمن المركز، وما إن تم فتح الباب تحت دقات الشاكوش حتى كانت المفاجأة الثانية لرئيس المركز..
فقد كانت قاعة تخزين الأفلام عبارة عن خرابة بها بعض علب الأفلام الفارغة، وفردة حذاء قديم، وأتربة نتيجة تحلل بعض أشرطة السلويد، التي كان المنتجون بمساعدة بعض ضعاف النفوس من الموظفين يستبدلونها بدلا من النسخ السليمة، التي كانت تسلم للمركز ثم يعاد تسريبها للمنتج مقابل بضعة جنيهات تدخل جيب هذا الموظف أو ذاك.
أكثر من ثلاثة آلاف فيلم روائي طويل أنتجت، لا تملك منها مصر إلا حفنة من تراب وفردة حذاء قديمة منذ صدر قرار إنشاء الأرشيف عام 1955 بقرار من الكاتب الكبير "يحيي حقي" مدير مصلحة الفنون، وهي المصلحة المساوية للمجلس الأعلي للثقافة الآن.
يومها قام "كمال عبد العزيز" بتحويل الموضوع إلى التحقيق الذي لم يسفر عن شيء يذكر، إلا تثبيت الوضع بأن الأرشيف السينمائي بعد مرور أكثر من ستين عاما، وعشرات القوانين ومئات القرارات وتغيير عشرات الوزراء ليس إلا فنكوش، سبقتنا لبنان والجزائر والمغرب وتونس ودول أفريقية وأخري آسيوية وتراجعنا إلى ذيل القائمة لننفرد به، ولو كان هناك من ينافسنا عليه من دول لا تصنع السينما لسبقتنا.
الصورة ليست قاتمة كما قد تبدو فما فقدناه في السابق يمكن تداركه، وهناك محاولات عدة تتم منذ سنوات خاصة منذ تخصيص أرض بمدينة السينما منذ سنوات، ومحاولات الدكتور خالد عبد الجليل رئيس المركز الحالي لإنشاء أرشيف إلا أن هذه المحاولات تصطدم دائما بعجز الإمكانيات المادية، وبيع نسخ الأفلام لرجال أعمال عرب خلال السنوات السابقة.
ورغم كل ماكتب حول الأرشيف السينمائي اليوم وأمس وعلي مدار سنوات عديدة فإننا لن نتوقف ولن يتوقف غيرنا بكل تأكيد، فالقضية جد خطيرة ومهمة، لذا ندعو كل المهتمين بالموضوع إلى لقاء يتم خلاله توضيح كافة وجهات النظر ودراسة الأسباب والمسببات للوصول إلى أرشيف للسينما المصرية يليق بتاريخها السينمائي العريق ومكانتها الدولية المرموقة، للحفاظ على هذا التاريخ وتلك المكانة.. وهي دعوة مفتوحة للجميع اقترحها الكاتب الصحفي الكبير "عصام كامل" رئيس تحرير فيتو تقديرا منه لأهمية القضية المثارة..
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.