المدلولات الدينية والعقائدية للتوابيت عند الفراعنة
كشف الباحث أحمد على برقي، في دراسة له لاستكمال متطلبات درجة الماجستير في الآداب تخصص الآثار المصرية القديمة، أن التابوت استقر في وجدان المصري القديم، أنه بمثابة مستقرًا للمتوفى في العالم الآخر، بما يتماثل مع القيمة العقائدية للمقبرة، التي شُيدت واجهتها الخارجية منذ العصر الثيني متخذة واجهة الصرح الملكي كي تصير مُستقرًا أبديًا للمتوفى في العالم الآخر.
تعرف على أنواع الأخشاب والأحجار المستخدمة في صناعة التوابيت الفرعونية
والقيمة العقائدية التابوت منذ أواخر عصر الدولة القديمة، هي أنه اعتبر بمثابة سكن سرمدي لروح المتوفى، لما تزين به من مناظر ونصوص، هي ذاتها المسجلة على جدران المقابر، فضلًا عن مشكاوات القصر الملكي التي مُثلت على الجنبات الخارجية لتوابيت الدولة القديمة.
ويعتقد أن ظهور توابيت أفراد الأسرة الثامنة عشر متخذة شكل الخرطوش الملكي، يُشير إلى أن سُكنى القصر الملكي وإن كان قاصرًا على الملوك في الحياة الدنيا فإنه لم يَعد كذلك في العالم الآخر.
واعتقد المصري القديم أن التابوت يُعتبر تجسيدًا للمعبودة نوت ربة السماء، حيث راعى المصري القديم تصويرها متدلية بذراعيها إلى وعاء التابوت حتى يُخيل للرائي أنها تحتضن المتوفى، اعتقادًا منه بقدرة تلك المعبودة الكونية على إعادة ميلاده مرة أخرى في العالم الآخر مصاحبًا في ذلك الشمس التي تخرج من رحم المعبودة نوت في صورة الجعران خبري إيذانًا بميلاد يوم جديد.
حيث اعتقد المصري القديم أن المعبودة "نوت" تبتلع الشمس عند الغروب، لتسير في جسدها خلال ساعات الليل، لتخرج من رحمها مولودًا جديدًا عند الفجر، كما اعتقد المصري القديم أن المعبودة نوت تُعضد قواه، وتساعده على الوفاء بإلتزامات رحلته الليلية، كما تمنحه الخلود مثل النجوم الخالدة التي لا تفنى الكائنة بداخلها، فقد كانت تلك النجوم تمثل أرواح الأبرار من الموتى، الذين يتحولون بعد ميلادهم من رحم نوت من الصفة البشرية.
على صعيدٍ متصل، اعتبر المصري القديم أن التابوت تجسيد لبيضة طائر النجج الأزلية ngg swHt، الذي أطلق صيحته الكبرى الأولى بعد خروجه من البيضة إيذانًا ببدء الخليقة، حيث تعتبر البيضة من الرموز الجنزية المقدسة التي تشير إلى التابوت، ولم يكن الدفن في التابوت سوى عودة للمياه الأزلية وولوج من تربة التل الأزلي تيمنًا بالمعبود رع الذي خرج من البيضة المقدسة في هيئة آتوم.
ولم يكن المصري القديم بمعزلٍ عن فكرة العقائدي حينما أطلق على التابوت الآدميّ مسمى swHt، فكانت نظرة المصري للتابوت أنه مهدٌ لإعادة خلقه مرة أخرى في العالم الآخر.
وتأكيدًا لهذه الفرضية دخلت كلمة swHt في المصطلح اللغوي swHt m بمعنى الذي في رحم أمه، حيث اعتبر المصري القديم أن التابوت تجسيدًا لرحم الأم الذي يستقر فيه الإنسان ليولد من جديد في العالم الأخر، وهو ما يعطي إشارة واضحة عن سبب اهتمام المصري القديم تصوير المعبودة نوت ربة السماء على غطاء التابوت، وما تمثله من احتضان للمتوفى الذي يخرج من رحمها في العالم الآخر.
كما اعتبر المصري القديم أن التابوت بمثابة تجسيد للقارب المقدس للمعبود رع، حيث اعتقد المصري القديم منذ عصر الدولة القديمة أن الملك المتوفى يرافق المعبود رع في رحلته السماوية، وهو الاعتقاد الذي تطور منذ عصر الدولة الوسطى - مع انتشار العقيدة الأوزيرية- بأن المتوفى يرافق المعبود رع على قاربه المقدس أثناء رحلته السفلية في العالم الآخر.
ومنذ عصر الدولة الحديثة اعتاد المصري القديم تصوير مناظر ونصوص كتب العالم الآخر التي تتناول أحداث الساعات الإثنتيّ عشرة للرحلة الليلية لقارب رع المُقدس على جدران التوابيت الحجرية المستطيلة التي اعتبرت في ذاتها تجسيدًا لقارب رع المقدس الذي يخوض غِمار رحلته الليلية في العالم الآخر.
وحرص المصري القديم أن يكون بزوغ الشمس في أفق السماء الشرقي موعدًا لخروج تابوت المتوفى من غرفة التحنيط، وبدء مراسم الجنازة وطقوس الدفن التي اهتم أن ينتهي منها مع غروب الشمس، حتى إذا ما وُضع التابوت في غرفة الدفن يكون المعبود رع قد أنهى رحلته اليومية، ليبدأ رحلته الليلية على قاربه المسائي المقدس msktt مرافقًَا إياه المتوفى المستوطن داخل تابوته الحجريّ.
وعلى صعيد مختلف، اعتبر المصري القديم التابوت المستطيل تجسيدًا للمحيط الكوني، حيث أخذت العقيدة الأوزيرية في الانتشار منذ عصر الدولة الوسطى، وعليه اعتقد المصري القديم بضرورة أن ينعم المتوفى بالحماية التي تمتع بها المعبود أوزير كي ينعم بالخلود في العالم الآخر، لذا لجأ إلى تصوير الإلهتين الحاميتين إيزة Ast ونبت حت Hwt-nbt عند موضع قدمي ورأس التابوت، ضمانًا لصاحبه بالحماية وإعادة البعث في العالم الآخر.
وارتبطت المعبودة إيزة بالشرق، بينما ارتبطت المعبودة نبت حت بالغرب، كما أوكل المصري القدیم مَ ھمة حمایة المتوفى لأبناء حور الأربعة، حيث يرمز المعبود imsty إلى جهة الجنوب، بينما يرمز المعبود Hpy إلى جهة الشمال، بينما جاء f.mwt dwA ليرمز إلى جهة الشرق، بينما يرمز المعبود f.snw-qbH إلى جهة الغرب.