كيري يحذّر الأسد ويخشى أفغانستان
مستهجنًا هذا التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الرئيس السوري بشار الأسد، بأن «عدم استغلال فرصة جنيف، 2 سيعني استمرار الحرب ووقوع مجازر وحتى تقسيم سورية».
بدا كيري كأن ما يبشر به الأسد إذا لم يستجب للحل السياسي الذي اتفقت واشنطن مع موسكو على التوصل إليه في مؤتمر دولي، سيردع الأخير عن ارتكاب مزيد من المجازر، أو يخيفه من مواصلة القتال بشراسة قلّ نظيرها ضد الثوار والمدنيين، أو أنه «لهول» ما نبه إليه كيري سيتوقف عن تدمير بلده بصواريخ «سكود» وبراميل البارود التي حوّلت أحياء كاملة في المدن السورية والكثير من القرى إلى ركام، أو يمتنع عن استخدام السلاح الكيماوي الفتاك وغاز «سارين» على جرعات، وبالتقسيط، ليعتاد المجتمع الدولي على هذا الفصل من الحرب الدائرة في بلاد الشام.
فبعد سلسلة من «الخطوط الحمر» التي وضعها الرئيس باراك أوباما، والتي انتهت إلى التعايش مع تخطي الأسد لها من دون أي «تغيير في قواعد اللعبة»، كما سبق أن حذر أوباما نفسه، فإن كيري لا يفعل سوى تخويف الأسد مما يمارسه ويقوم به من دون خجل أو حرج.. منذ بداية الثورة مطلع عام 2011.
فهو ومحيطه القريب قالا إنه إذا أراد معارضوه أن «يأخذوا» السلطة منه سيأخذون سورية مدمرة، وبطانته قالت منذ البداية إنه لا مشكلة في سقوط 50 ألفاً أو 100 ألف قتيل سوري، وأقاربه الذين يلازمونه لم يترددوا في التبشير بالفوضى، وأكثر من زائر سمع منه أنه إذا تمكن معارضوه من السيطرة على دمشق فهو سيتحصن في الساحل السوري وجبال العلويين..
وقبل أيام أبلغ حلفاءه من اللبنانيين أن عشرات الآلاف الذين دربتهم إيران من الميليشيا الشعبية سيساعدونه على الانتصار وسيبقى رئيساً «لأن الشعب يحبني».. وبدا مطمئناً إلى أن موقف دول الغرب سيبقى متحفظاً عن مساعدة المعارضة المسلحة، «لأننا نجحنا في جعل تنظيم القاعدة في واجهة القوى المسلحة» المعارِضة.
وكل ذلك يعرفه كيري جيداً إلى درجة يستدعي الأمر استهجان ما قاله بالأمس، محذراً من التقسيم والدمار والمجازر في حال لم يستجب الأسد للحل السياسي المطلوب في «جنيف – 2».. فالخشية الأمريكية والأوروبية الغربية من انتقال الفوضى التي تعم سورية إلى المنطقة ودول الجوار، لا سيما لبنان والعراق والأردن، أخذت طريقها إلى الظهور بأوضح الصور.
ومن الصعب الاعتقاد أن كيري والمسئولين الأمريكيين تحوّلوا إلى ما يشبه المراسلين الحربيين والمحللين السياسيين، يسجلون التوقعات ويستنتجون الخلاصات، والانعكاسات الإنسانية المأسوية لقضية النازحين، إلا إذا كان حصول الفوضى الإقليمية هو هدف ضمني لواشنطن ولإسرائيل المنشرحة لانشغال القوى المعادية لها عنها.
الأرجح أن المصالح الأمريكية باتت تشكل نقطة تقاطع أيضاً مع مصالح خصومها في زمن تفاوضها معهم، لا سيما إيران.. فالأخيرة لم تعد تمانع في حصول هذه الفوضى، عبر تشبثها ببقاء الأسد في السلطة حتى النهاية، ومهما كان الثمن، وعدم اكتراثها بما يسببه نفوذها في السلطة في العراق من حراك أهلي وتنازع بين السنّة والشيعة.
وضربها بعرض الحائط التوازنات الدقيقة في لبنان بعد إصرارها على اشتراك «حزب الله» في الحرب الدائرة في ريف دمشق وفي مدينة القصير وريف حمص.. بل أن جرّ إيران لبنان إلى الفراغ في السلطات بالشروط التي يطرحها «حزب الله» على الانتخابات وعلى تشكيل الحكومة، يتم تحت أعين الدول الكبرى التي كانت حذرت من عدم إجراء الانتخابات في موعدها ثم باتت تطالب بإجرائها وفق الأطر الدستورية القانونية التي باتت تعني تمديداً للبرلمان الحالي عبر قانون يصدر عنه.
أمران يهمان كيري في هذا الخضم: أن تبقي الحكومة الإسرائيلية تدخلها في الأزمة السورية في حدود استهداف الأسلحة النوعية التي يمكن أن ينقلها الأسد إلى «حزب الله» في لبنان وعدم توجيه ضربات تؤدي إلى إسقاط نظامه.. وهو ما صرح به المسئولون الإسرائيليون بعد ضربة 5 آيار (مايو) الجوية.. فإسرائيل تخشى من بديل الأسد في السلطة.
أما الثاني، فهو حرص واشنطن على حسن العلاقة مع روسيا من أجل أن تساعدها موسكو على ضمان انسحاب آمن للقوات الأمريكية من أفغانستان عام 2014، حيث لإيران أذرع تمكنها من توجيه ضربات لهذه القوات أثناء انسحابها.
أما المواقف التي تبدو أحياناً نارية من جانب واشنطن في ما يخص الأزمة السورية، فهي تبقى «للتاريخ» فقط.. والأرجح أن ثمن هذه السياسة هو أن تلعب موسكو دوراً مع إيران، بحكم تعاونهما في سورية، في دفع طهران إلى خفض تدخلاتها ضد واشنطن في أفغانستان.
نقلا عن جريدة الحياة..