رئيس التحرير
عصام كامل

بيع سوريا في «مزاد» روسي- إيراني.. الغرب والعرب يتراجعان عن موقفهما باستبعاد الأسد.. رغدة درغام: موسكو وطهران وصلتا للمياه الدافئة بـ«المتوسط».. «القصير» معركة فاصلة و

بشار الأسد الرئيس
بشار الأسد الرئيس السوري

قالت رغدة درغام الصحفية والمحللة السياسية اللبنانية/ الأمريكية، التي تعمل مديرة مكتب جريدة الحياة في نيويورك، إن غموضًا بالمواقف الغربية نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هدف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تمكين طهران من منع انتصار المعارضة المسلحة في سوريا أو توريطها ومعها «حزب الله» في مستنقع سوريا بصورة أعمق وأوسع.


وترى "رغدة" أن الغرب غائب هذه المرة عن الانتخابات الرئاسية في إيران ويغمض عينيه عن القمع المتزايد عكس ما فعل عام 2009 قبل أن تتمكّن السلطات الإيرانية من إخماد التظاهرات وثورة الإصلاحيين عليها، والغرب مستمر في المفاوضات والمحادثات المطاطية مع طهران في شأن برامجها النووية، رافضًا تحديد برامج زمنية أو إطلاق الإنذارات أمام استمرار المماطلة ورفض تلبية المطالب الدولية انتخابيا ونوويا.

وواصلت "درغام" في مقالها المنشور بجريدة الحياة اللندنية، اليوم الجمعة: "إذًا، يبدو الموقف الغربي في تهادنية مع نظام الملالي في طهران، أما من ناحية الدور الإقليمي الذي تعتبره إيران حقا من حقوقها، فإن الغرب يبدو تارة شريكا لطهران في تأمين هذا الدور لها في الدول العربية التي تهمها أي العراق وسوريا ولبنان، وتارة أخرى تبدو واشنطن ولندن وباريس مرتاحة وهي تشاهد حفلة الاستنزاف المتبادل والإنهاك المتبادل في مستنقع سوريا بين الشيعة والسنّة وتستبعد في الوقت ذاته الإرهاب عن مدنها".

ورأت أن "الاعتراف الغربي العلني الأخير بدور مباشر للجنود الإيرانيين في سوريا يضع الغرب الآن على المحك لأن مجلس الأمن، في قرار له بموجب الفصل السابع من الميثاق، يمنع إيران من تصدير أية قوات أو معدات حربية أو مساعدات عسكرية خارج حدودها ويتعهد بإجراءات ضدها إذا فعلت ذلك. الغرب أيضا أعلن وحذر علنا أخيرا عن استمرار تورط «حزب الله» عسكريا في سوريا وبدء التلميح الأوربي بوضع الجناح العسكري للحزب في قائمة الإرهاب".

وواصلت "رغدة" مقالها، قائلة: "هذه الذبذبات ربما تهيئ حقا لإجراءات من ضمنها معركة في مجلس الأمن مع روسيا التي تغذي هي أيضا القدرات العسكرية للنظام السوري بعقود قديمة وبمنح جديدة، معركة طرح التورط الإيراني في سوريا على الساحة القانونية الدولية، لكن هذا يبقى رهن ما سيحدث في مؤتمر جنيف – 2، إذا تم انعقاده، وفي هذا المؤتمر أيضا تكمن العقدة الإيرانية، كما أن بيان وزراء خارجية «أصدقاء سوريا» الذي صدر في أعقاب اجتماعهم في عمان هذا الأسبوع شدّد على التزامهم زيادة دعمهم للمعارضة السورية حتى تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة. أي نوع من الدعم؟ هذا ما هو مختلف عليه بين مجموعة الأصدقاء التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر وقطر والأردن".

وأوضحت: "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمربكي تبنّت موقفا أيضا هذا الأسبوع من شأنه أن يحصّن الرئيس باراك أوباما ضد الانتقادات إذا قرر أن الوقت حان لدعم حقيقي وملموس للمعارضة السورية، أقله من أجل إصلاح اختلال الموازين العسكرية على الأرض لمنع انتصار قوى النظام التي تدعمها حربيا قوى إيرانية وعناصر «حزب الله» والتي ما زالت تتلقى أسلحة روسية متفوقة، والسؤال يبقى: هل سيتخذ الرئيس الأمريكي قرار دعم المعارضة السورية بالأسلحة الجدية إن كان مباشرة أو عبر القنوات العربية والأوربية؟ أم أنه سيبقى مترددا إما سذاجة منه على أساس أنه لا يريد التورط في أي مستنقع كان، أو حذاقة منه على أساس استنزاف الآخرين في المستنقع؟ فالمهم هنا هو الموازين العسكرية على الأرض، وكما يبدو أن السياسة الأمريكية كما أرادها باراك أوباما هي حتى الآن سياسة منع الحسم إما بانتصار المعارضة المسلحة التي تضم أمثال «جبهة النصرة»، حتى وإن كان بنسبة خمسة أو عشرة في المئة، أو بانتصار إيران و«حزب الله» وروسيا في سوريا".

وأضافت: "بريطانيا وفرنسا تهددان وتتوعدان ثم تتراجعان كالعادة. كلتاهما تعهدت أكثر من مرة بالمضي قدما بتسلح المعارضة السورية بعدما فشلتا في إقناع الاتحاد الأوربي برفع حظر التسليح عنها. وكلتاهما تراجعت، أكثر من مرة. أحد الأسباب وراء هذه المواقف التي تدعم حرب الاستنزاف والإنهاك في سوريا هو فوائد هذه الحرب للاستخبارات الأوربية والأمريكية على السواء، فالحرب السورية فتحت نوافذ وأبوابا على كشف هويات التطرف السنّي الممتد عبر القارات بسبب صيحة جماعة «القاعدة» و«جبهة النصرة» وأمثالهما استدعاءً للمعونات عبر اتصالات كان في إمكان السلطات الاستخبارية رصد مواقفها".

وكشفت: "الجديد في موازين القوى العسكرية في الفترة الأخيرة هو العزم الواضح لكل من إيران و«حزب الله» على الانتصار في معركة القصير التي هي مصيرية لهما عسكريا ومعنويا، فالقصير شريان حيوي إذا كانت النتيجة العسكرية بقاء النظام أو إذا أسفرت عن تقسيم سوريا. القصير تبقى عصب الشريان المركزي لمستقبل الوجود الإيراني في سوريا".

ولفتت الكاتبة اللبنانية الأمريكية إلى أن "بيان «أصدقاء سوريا»، الذي أكد أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يكون له دور مستقبلي في سوريا، وجّه دعوة إلى إيران و«حزب الله» إلى سحب مقاتليهما لأن وجودهما المسلح هناك يشكل «تهديدا لاستقرار المنطقة». هكذا، وبكل «جدية» صدر بيان كهذا يدعو حليفي الأسد إلى سحب المقاتلين ويؤكد أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا في الوقت الذي تشن فيه طهران ودمشق و«حزب الله» أشرس معركة من أجل استمرار النظام وبقاء الأسد على رأسه، بل أكثر، مر البيان مرور الكرام على ذكر ارتكاب قوات الأسد «تطهيرا عرقيا» في بانياس وأمعن أيضا في تقليل أهمية التحذيرات من استخدام الأسلحة الكيماوية عبر لغة ركيكة لا معنى لها. بكلام آخر، هناك طرف يخوض حربا على الأرض لتغيير موازين القوى العسكرية لتبقى في مصلحته، ولذلك نبرة الانتصار، وهناك طرف آخر يترفع بعض منه عن النزول إلى الأرض ويتعمد البعض الآخر الإخلال في الموازين العسكرية، ولذلك تبرز منه نبرة الاستنجاد والتوسل للتدخل".

وشددت على أن جرعة الثقة بالنفس والانتصار في القصير أسفرت عن فرض معسكر «حزب الله» وإيران لغة التمديد للمجلس النيابي في لبنان لسنتين والسماح بتشكيل حكومة سياسية على الشاكلة التي يريدها هذا المعسكر. «انتصاره» في القصير تُرجِمَ انتصارا في منع إجراء انتخابات برلمانية في لبنان. هكذا يفكر ويفعل معسكر الممانعة فيما يتثاءب المعسكر الآخر ويطل بين الحين والآخر بوعود أو بتوعدات.

وركزت الكاتبة على أن مشاركة إيران في مؤتمر جنيف – 2 الذي اتفق على انعقاده وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف باتت عقدة رئيسية أمام انعقاد المؤتمر. كيري ذهب إلى عمان للاجتماع بالمعارضة السورية وبأصدقاء سوريا من أجل توحيد رؤية المعارضة لجنيف – 2، ومن أجل حشد التأييد لإجراء مفاوضات سياسية بين النظام والمعارضة. هكذا بدا كيري بائع بضاعة روسية علما بأن الموقف الأمريكي السابق كان الإصرار على تنحي بشار الأسد. أما توقيع كيري على بيان عمان الذي جاء فيه أن بشار الأسد لن يكون له دور مستقبلا في سوريا، فإنه حالة طبيعية للمواقف الأمريكية غير الاعتيادية في تناقضاتها.

وقالت إن المشاركة الإيرانية في جنيف - 2 التي تصر عليها روسيا، تأتي في الوقت الذي تؤكد فيه الإدارة الأمريكية أن جنودا إيرانيين يقاتلون إلى جانب القوات الموالية لبشار الأسد وفي الوقت الذي يزداد الكلام الأمريكي عن تحول النزاع الداخلي السوري إلى حرب إقليمية نتيجة دخول إيران طرفا مباشرا في النزاع عبر جنودها وعبر «حزب الله» الموالي لها. الموقف الغربي من فكرة المشاركة الإيرانية في مؤتمر جنيف – 2 غامض ومتأرجح. الموقف السعودي والإماراتي يعارض إعطاء طهران دورا على طاولة بحث المستقبل السوري ويرى أن ذلك يشرّع الدور الإقليمي الإيراني في سوريا وما بعد.

كما أوضحت: "الممثل الأممي والعربي في المسألة السورية، الأخضر الإبراهيمي، أراد دوما أن يكون لإيران دور على أساس واقع نفوذها ودورها المباشر في سوريا والذي يجب أخذه في الاعتبار، وإلا فإن الحروب بالوكالة وحروب الآخرين في سوريا مستمرة.

الفكرة الروسية لتأمين المشاركة الإيرانية في جنيف – 2 طرحت المشاركة السعودية والإيرانية معا في المؤتمر. حتى الآن، ترفض السعودية المشاركة كي لا تكون هي بوّابة تشريع الدور الإيراني في بلد عربي. لذلك، تبقى عقدة المشاركة الإيرانية عثرة من العثرات الكثيرة أمام جنيف - 2 الذي يفترض انعقاده قبل القمة الأمريكية/ الروسية منتصف الشهر المقبل، وحتى ذلك الحين، تكون إيران انتهت من انتخاباتها الرئاسية".

وذكرت: "السلطات الإيرانية استبقت الانتخابات عبر إبعاد الرجلين اللذين كان لهما الحظ الأكبر في الفوز: الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وأسفنديار رحيم مشائي حليف الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد. استبقتها أيضا بالقمع الشديد للمعارضين لإبلاغ كل من يعنيه الأمر بأن التدخل في شئون إيران الانتخابية ممنوع ولن تتكرر تجربة 2009 في تظاهرات واحتجاجات، كما أن «مجلس صيانة الدستور» قام عمليا بإجهاض الانتخابات عبر الاستبعاد، لكن هذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها أصوات من داخل المجلس تنتقد الاستبعاد مما يعني ربما بدء الانشقاق، ثم إن مشائي تعهد بنشر وفضح قذارة في صفوف خصومه، والسؤال الذي يُطرح الآن هو: هل سيُسمح له بالفضح؟"

كما شدد على أن الأرجح أن يؤدي الاستبعاد والقمع إلى تراجع كبير في إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع. حملات الاحتجاج على نسق «انتخبوا زهرة» التي هي من صنع المخيلة الهدف منها إبراز رجعية النظام في طهران وعداؤه للمرأة أيضا. إنما هذه حملات احتجاج وليست خوضا للانتخابات ممنوعا أساسا. الانتخابات الرئاسية الإيرانية باتت قليلة المعنى كانتخابات إنما المهم فيها هو متابعة ما ستخلقه العملية الانتخابية من تململ وكيف سيُترجَم ذلك داخل إيران. الذين كان عندهم أمل في اندلاع «ربيع» عربي في إيران مصابين بإحباط، والإحباط جزء أساسي من استراتيجية القمع والتخويف والاستبعاد التي يمارسها حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحذاقة.

ونبهت إلى أن الإيرانيين، بمختلف أطيافهم وبأكثريتهم الساحقة، لا خلاف لهم مع ما يقوم به «الحرس الثوري» في سوريا أو ما يريده خامنئي من مواقع متقدمة عسكريا في العراق وسوريا ولبنان من أجل إيصال إيران إلى المياه الدافئة، أي البحر الأبيض المتوسط. الاتحاد السوفييتي أمضى عقودا سعيا وراء المياه الدافئة ولم يدخلها سوى أخيرا عندما تقلص إلى روسيا عبر طرطوس. إيران وصلت المياه الدافئة عبر ما تعتبره ملكا لها عبر «حزب الله»، أي لبنان، فعبر لبنان ترى إيران أن لها حدودا جغرافية مع أمريكا نظرا إلى العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية العضوية. الدعم الذي يلقاه «الحرس الثوري» في سوريا سببه في نظر المسئولين الإيرانيين نجاح «فيلق القدس» في حرب يوليو في لبنان ضد إسرائيل، كل هذه العناصر المتداخلة تدعو إلى ضرورة التمعن في العلاقة بين الغرب وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فما يتحدث عنه البعض من مستنقع وفيتنام لاستنزاف إيران و«حزب الله» في الحرب السورية يقابله كلام عن صفقات كبرى تحاك وراء الكواليس يحقق الغرب والشرق بموجبها انتصارا لإيران في «فيتنامها» السورية ضد قوى التطرف السنّية وتكافأ عليه طهران في موازين القوى الإقليمية الكبرى.
الجريدة الرسمية